تعال بنا لحظة لنقارن وضعنا نحن مع وضع أولئك القوم.
إن أحفاد هؤلاء القوم بعد أن فتحت عليهم الدنيا أبوابها انشغلوا عما شرف به أولئك القوم، فأصبح الرجل من أحفاد الصحابة يعيش هنا في هذه المدينة أو غيرها من مدائن الإسلام لا يفكر إلا فيما يجمعه من الأموال، ولا يفكر بغزو في سبيل الله، ولا إعلاء لكلمة الله، ولا جهاد في سبيله، ولا أن يرعب عدواً من أعداء الله، ولا أن يذل عدواً من أعداء الله، ولا أن يقول كلمة الحق مدوية صارخة، ولا أن ينصر الله في أي موقف، يريد أن يعيش مائة سنة معافى في جسمه آمناً في سربه، لا يتعرض لأذى بمقال أو حال، ولا يتكلم أحد فيه، ولا يتلقى أي تهديد ولا أي أذى، فهل هكذا عاش أولئك القوم؟ إن أولئك القوم الذين تحبون الاقتداء بهم، وتريدون مجاورتهم في الفردوس الأعلى من الجنة، ما نالوا ذلك إلا بما بذلوه، فكيف تتمنون الأماني بدون أن تسلكوا الطريق؟! إن هذا الطريق كل من سلكه قد تعهد الله له بأن يوصله إلى هذا المقام، فقد انتدب الله لمن خرج في سيبله لا يخرجه إلا إيمان به وتصديق برسوله، أن يرجعه إلى المكان الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، أو أن يدخله الجنة.
لذلك إذا قارنا أوضاعنا مع أوضاع البعثة سنجد انتشاراً للشرك في هذه الأرض حتى بين المسلمين، قد يفعل بعضهم من الشرك ما لا يظنه شركاً، ونرى انتشاراً للفواحش والظلم، ونرى استبداداً على الناس، ونرى قطيعة للرحم، ونرى أن الغني يزداد غنى من غير حل، وأن الفقير يزداد فقراً كذلك؛ لاستغلال الأغنياء للفقراء أبشع استغلال.
ونرى الفقراء يزدادون فقراً، فلا يمكن أن يحقق أحد منهم ما هو مضطر إليه وما هو محتاج له إلا بالعناء المبين، والمشقة الكبيرة، بل قد فرض على الناس من أنواع الظلم ما يجعل الذي يريد أن يعيش من حلال لا يستطيع ذلك إلا بالربا والمحرمات.
ونرى كذلك إدباراً عن منهج الله وإعراضاً عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من البيئات، ونرى حرصاً بالغاً على جمع هذه الدنيا وحطامها كما كان أهل الجاهلية يفعلون، ونرى تناصراً بين الناس على أساس النسب القبلي كما كان في الجاهلية من غير قناعة بذلك من الناحية الدينية.
لذلك كان لزاماً علينا أن نراجع مسيرتنا حتى نعود إلى ما كان عليه ذلك الجيل، وحتى يحقق لنا الله ما وعدنا من النصر والتمكين في هذه الأرض.
إن علينا عباد الله أن نراجع هذه المسيرة بالبدء بمدارسة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستسلام المطلق له، والأخذ به، وأن نعلم أن ما يصيبنا في سبيل ذلك ليس شراً لنا، فالمفاهيم التي ترسخت في أذهاننا لابد أن نزيلها، فإن الذين قتلوا يوم أحد شهداء في سبيل الله، وقطعت آذانهم وأنوفهم، وبقرت بطونهم، وقد حكم الله بأنهم لم يمسسهم سوء، فكل ما أصابهم ليس بسوء عند الله عز وجل.
إذ قد حقق الله لهم أعلى الدرجات، وخصص لهم مقامهم في الفردوس الأعلى من الجنة، وشهد لهم بأنهم شهداء في سبيله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171].
إن حال أولئك كان حال الصدق مع الله سبحانه وتعالى، ولهذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد قبل موته بثمانية أيام، فقال: (إني شهيد على هؤلاء بأنهم صدقوا الله ما عاهدوه عليه)، فترحم على أصحاب أحد وصلى عليهم.
إن هذا المكان الذي ناله أصحاب أحد في الإسلام بالإمكان أن يناله الحاضرون اليوم والسامعون، فما هو إلا بالتضحية في سبيل الله، والبذل لإعلاء كلمة الله، وإيثار الآخرة على الدنيا، والأخذ بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته، والتمكين له مهما كلف ذلك.