ذكر أهل العلم سبعة شروط لطالب العلم: الشرط الأول: الغربة: فالإنسان ما دام في بيته وبيئته وبين أهله لا يجد وقتاً وفراغاً للطلب، وهذه الغربة يمكن أن تكون حقيقية، ويمكن أن تكون شعورية، قد يعتزل الإنسان أهل الدنيا في زاوية من بيته، فهو غريب ولو كان بين أهله.
ودليل اشتراطها أن موسى عليه السلام لم ينل العلم الذي رغب فيه حتى قال: {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60].
ومن أدلتها كذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل الله عليه الوحي حتى حبب إليه الخلاء، فكان يخلو في غار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد، أخرج البخاري في الصحيح قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو في غار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد)، فهذا التحبيب الذي حبب إليه الأنبياء أسوة وقدوة؛ ليحبب إلى طالب العلم الخلاء كذلك، ولهذا سئل يحيى بن معين رحمه الله عن أحب شيء إليه في الدنيا، فقال: إسناد عالي وبيت خالي.
يريد أن يعتزل الناس، ويريد إسناداً عالياً لا يتطلب كثيراً من البحث في الجرح والتعديل، ولا يتطلب كذلك تعباً في الحفظ (إسناد عالي وبيت خالي).
فلابد من هذه الغربة، ويمكن أن يفعلها الإنسان في بيته -كما ذكرت- وبين أهله، فيتخذ وقتاً لطلب العلم، لا يدخل عليه فيه أحد، ولا يرى فيه وجه أحد، ولا ينشغل فيه بأي شيء من أمور الدنيا.