ثم المقوم الاجتماعي لشخصية المسلم: فمن أسس بناء شخصية المسلم أنه يحب الخير للناس ويحب أن ينفعهم، ويحب أن يكون من أودية الخير، فأهل السخاء هم أودية البشر في الأرض، تمطر السماء مكاناً بعيداً فتنقل تلك الأودية المياه وتسقي بها أماكن أخرى، فكذلك في الناس أهل سخاء يكدون ويجمعون ثم يصل خيرهم إلى من سواهم، ويتعدى نفعهم إلى الأباعد، وهؤلاء هم أودية السخاء في البشر، وهم مفاتيح الخير مغاليق الشر، والله سبحانه وتعالى امتدح الأنصار بهذا السخاء فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].
فيسعى المؤمن في هذا المجال أن يكون وسيلة للخير ووسيلة لتخفيف المعاناة عن الناس، ووسيلة لفتح أبواب الخير أياً كانت وإغلاق أبواب الشر، لا يريد أن يستغل في باطل ولا أن يكون سبباً لأذى الناس ومعاناتهم، بل يعلم أن ذلك من أوصاف المنافقين والمرجفين؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58].
يريد أن يكون مشعل هداية ونور، وأن يرحم عيال الله، والناس كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، يريد أن يخفف معاناة أقوام وما يلقونه من البأساء ليخفف الله عنه كما قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} [الإنسان:8 - 11].
هؤلاء يخافون ذلك اليوم؛ فلهذا يعدون العدة من الآن {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:9 - 10].