ومن أسس بناء شخصية المسلم: أساس العلم: وهو أساس مهم يميز المسلمين، فالمسلم دائماً يسعى لزيادة العلم، وهو يتذكر أن الله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]، ويتذكر أن هذا العلم ميز الله سبحانه وتعالى به شهداءه على الناس وائتمنهم عليه، وبقدر علم الإنسان تتحقق خشيته لله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ويتحقق تلقيه عن الله: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]، وترتفع منزلته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
ومن هنا فالمؤمن حريص على ضالته التي يبتغيها في أي مكان، وهي الحكمة، فأنّى وجدها فهو أحق بها، يسعى للازدياد من الكتاب ومن السنة ومن الأحكام الشرعية، ومن كل علم يقربه إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يستنكف عن الازدياد من العلم؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:17 - 18].
والمسلم الذي يفرط في الازدياد من العلم شخصيته ناقصة، وهو مهزوز لا يستطيع الاستقرار ولا الصمود؛ لأنه لم يتخذ من وسائل التحصين ما يكفيه سلاحاً ضد كيد أعدائه وضد شبهات الشيطان التي يلقيها، فهذه لا تزال إلا بالازدياد من العلم، ومن التشريف للمؤمن أن يثبت إيمانه بما يتعلم من القرآن والسنة كما في حديث حذيفة في الصحيحين: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال تعلموا من الكتاب ثم علموا السنة)، فكان هذا سياجاً للأمانة وتثبيتاً لها في القلوب، والذي يحاول أن يزداد كل يوم علماً أياً كان فهو سائر في طريق الجنة (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) والذي يعرض عن ذلك مصيره أن يحشر يوم القيامة أعمى، ويضمن الله له معيشة ضنكاً ونكداً في العيش في هذه الدنيا، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:126 - 127].
كذلك فإن حفاظ المسلم على الازدياد من العلم يقتضي منه حرصاً على أن يكون أحد ثلاثة: إما أن يكون عالماً، وإما أن يكون متعلماً، وإما أن يكون معيناً، ولا يمكن أن يكون الرابع الذي لا له ولا عليه؛ لأن الرابع هو الذي ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بالقيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت عشباً فقال: (وذلك مثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم ينفعه هدى الله الذي أرسلت به)، فلهذا كان من بناء شخصية المسلم أن يكون متعلماً، فهو حريص على الازدياد من العلم بالفكر والمطالعة والسماع والاستفتاء
و Q { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:82 - 83]، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه في صحيح البخاري: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه أي: خير المسلمين من تعلم القرآن وعلمه، فلهذا كان من أسس بناء شخصية المسلم التعلق بهذا القرآن وقراءته وتدبره، والذي لا يجد ذلك ولا يأنس بكتاب الله، ولا تتعود أصابعه على فتح المصحف، ولا يتعود يومياً على قراءة آيات من كتاب الله ينور بها بصيرته وبصره، فجوفه خال، وهو بمثابة البيت المهجور الذي ليس فيه خير! أما المؤمن الذي يقرأ القرآن ويتدبره سواء كان ذلك شاقاً عليه أو كان سهلاً عليه فهو موعود بالأجر العظيم والذخر الجسيم، الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به ولا يتتعتع فيه وهو عليه غير شاق مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق ممن يؤتى أجره مرتين.
فلذلك فإن الذين يعرضون عن هذا التعلم بالكلية ولا يهتمون به، ولا يجعلون جزءاً من أوقاتهم له، لم يتخلقوا بشخصية المسلم في هذا الباب.