وكذلك فإن هذه الأسس العقدية تقتضي من الإنسان الصمود والصبر والثبات وعدم التزحزح، فالذي يؤمن بالله وحده ويعلم أنه لا نافع ولا ضار إلا الله، وأن الله كتب ما هو كائن في قدره النافذ، وأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن الأمة كلها لو اجتمعت على أن تنفعه بشيء لم تنفعه إلا بشيء قد كتبه الله له، وأنها لو اجتمعت على أن تضره بشيء لم تضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه؛ لا يمكن أن يخضع ويذل لغير الله، ولا يمكن أن يؤثر رضا المخلوق على رضا الله، ولا يمكن أن يخاف إلا من الله سبحانه وتعالى وحده، ذلك لأن إيمانه بالله سبحانه وتعالى مقتض لمعرفته به، بمعرفته وأنه ديان السماوات والأرض الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، بيده مقاليد كل شيء، هو الحق الملك المبين لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ويعلم أنه سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء فلا يعجزه شيء، وأنه المدبر للكون كله، وأنه لا يغفل عنه لحظة واحدة، ومن هنا فإن قناعته بهذا مقتضية منه تمام التعلق بالله والاتصال به والتوكل عليه ورجائه وخوفه، وعدم رجاء من سواه أو خوفه أو الاعتماد عليه في أي شيء؛ لعلمه أن كل من سوى الله لا يملك لنفسه فضلاً عن الغير حياة ولا موتاً ولا نشوراً ولا نفعاً ولا ضرراً، ومن هنا لا يحق أن يتوكل عليه ولا أن يرجى نفعه ولا أن يخاف ضرره.
وإيمان الإنسان الراسخ بأن الأنفس كلها بيد الله، وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، مقتض منه كذلك أن لا يثق فيما سوى الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي لا يبدو له البداء، فعلمه سابق لكل خلقه {أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:231] والمخلوق يبدو له البداء في كل لحظة، فيتغير رأيه ويعدل عن الآراء التي كان يراها.