إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله! إن الله سبحانه وتعالى يتعرف إلى عباده بما يسديه إليهم من النعم، ويتعرف إليهم كذلك بالبلاء الذي هو من المحن، وقد قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، فمن شكر نعمة الله تعهد الله له بالمزيد، ومن صبر على بلاء الله تعهد الله له برفع البلاء ورفع الدرجة في الآخرة، وقد قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، فلذلك لابد -يا إخواني- أن نعلم أن كل ما يأتينا إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى، وقد أنعم علينا بأنواع النعم التي لا نستطيع إحصاءها، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34]، وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل:53 - 54].
لابد -يا إخواني- أن نعرف نعمة الله علينا، وأن نقر بها ونبوء بها لله عز وجل؛ ليزيدنا من فضله، فإن ما عند الله تعالى غير محصور، وإنه سبحانه وتعالى قد قال فيما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، وإن الإنسان إذا تعامل مع الله تعالى عرف نعمته عليه في ماضي حياته، فكم من مأزق قد دخله ثم فرج الله عنه، وكم من أمر قد ضاق عليه ثم وسع الله له فيه، وقد قال أحد العلماء: حسن الظن بمن عودك كل إحسان، وقوى أودك، إن رباً كان يكفيك الذي كان بالأمس سيكفيك غداً.