العزلة عند ظهور الجرائم والفتن

Q قلتم: إن التعود على الجريمة ورؤيتها يجعل الإنسان يستشعر عدم عظم هذه الجريمة، هل ترون الهجرة إلى المناطق الداخلية أفضل لدين المرء؛ لما يراه في هذه العاصمة من جرائم تمارس بكل بساطة؟

صلى الله عليه وسلم على الإنسان إذا رأى الجريمة أولاً: أن يحاول تغييرها وألا يستسلم لها، فالاستسلام ليس علاجاً؛ أن يترك الإنسان داره ومكانه لأهل الفساد؛ حتى ينتشر الفساد في الأرض، هذا مناف لمقصد الشرع، فمقصد الشارع أن ينتشر الخير، وأن يكافح الإجرام، وأن يردع أهلُ الحق أهلَ الباطل، ولا يقصد أن يذهب أهل الخير ويتركوا أهل الباطل يستبدون وينفردون بإجرامهم، بل المقصد الشرعي أن تكاثروهم وأن تردعوهم ما استطعتم، لكن -مع ذلك- إذا لم يجد الإنسان ناصراً على الحق فليس له إلا أن يفر بدينه من الفتن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في الصحيح قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن)، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها، ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده؟ مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله، ويذر الناس من شره).

وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن التعرب بعد الهجرة خطر عظيم، فسكنى البادية لمن قد سكن الحاضرة خطر على دينه وأخلاقه وقيمه، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدا جفا، ومن تبع الصيد غفل)، فلا تكون هذه الهجرة إلى البدو والأودية والجبال إلا عند عدم وجود معين على تغيير المنكر والأمر بالمعروف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015