فإذا وجدنا من الناس ملأً جعلوا من أولوياتهم وواجباتهم مكافحة الإجرام، وبذلوا في سبيل ذلك قصارى جهدهم، فإن هؤلاء سيكتب لهم أجور لا حصر لها، وسيرتفع بهم شؤم هذا الذنب إن لم يرتفع بهم وجوده، فقد لا يرتفع وجود الذنب في فترة وجيزة، لكن يرتفع شؤمه إذا وجد قوم يقفون في وجهه ويريدون مكافحته، ومنع انتشاره بالكلية.
والأمر سهل ويسير، إن تشكيل جماعة أو مجموعة من الناس تتبنى محاربة الإجرام، أو حتى محاربة نوع واحد من أنواعه: محاربة اللصوصية، أو محاربة الإجرام الإعلامي، أو محاربة السرقة، أو محاربة المخدرات أو غير ذلك من أنواع الإجرام، فتشكيل هذا لا يكلف شيئاً؛ لأن هذا من الأمور التي تميل إليها الفطرة وتألفها النفوس السليمة، وما من أحد يدعى لمثل هذا إلا استجاب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد شهدت حلفاً في الجاهلية لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت)، وهذا الحلف هو حلف الفضول، تعاهد فيه المطيبون على نصرة المظلومين بمكة حين انتشر الفساد والظلم بمكة، وكان الحجاج تنتهب أموالهم، والعمار كذلك تنتهب أموالهم، فتعاهد المطيبون على نصرة كل مظلوم، فطيبتهم عمة النبي صلى الله عليه وسلم عاتكة بطيبها، ومسحوا أيديهم بالطيب ومسحوها على الحجر الأسود، وتبايعوا على نصرة المظلومين بمكة.
فلو دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا الحلف في الإسلام لأجاب إليه، وهذا يدلنا على أهمية مثل هذا النوع من الأحلاف فهي مما يقرها الإسلام، ولا يكفي لمثل هذا فرد أو فردان، بل إذا قام فيه حلف الفضول فتحالف الناس على منع الظلم ونصرة المظلومين ومكافحة الجريمة، لم يتأخر أحد من العقلاء وأهل الرأي، ولا أحد من الذين يبتغون الأجر من الله سبحانه وتعالى أن يكون من المشاركين في مثل هذا.
حتى لو أقيمت لجان في البلدان أو الأحياء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولمكافحة الإجرام بما تستطيعه هذه اللجان، مثلاً: بتبليغ الشرطة، أو تبليغ الحكام، أو الولاة، أو على الأقل التشهير في الإعلام بالعصابات أو بأصحاب اللصوصية والإجرام، فتشكل لجان لمثل هذا في الأحياء، فهذا النوع من الأمور التي يردع الله بها، وهي على الأقل معذرة إلى ربكم، وفيها إجابة لهذا الحلف الذي لو دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأجاب إليه.