Q ما هي عوامل تقوية الإيمان؟
صلى الله عليه وسلم ترسيخ الإيمان إنما يتم بالإقبال على الله سبحانه وتعالى وقوة الدافع لكل عمل، فالذي يصلي وصلاته إنما هي عادة من حياته، كما قيل: ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب.
فوجد أسلافه يصلون فهو يصلي كما كانوا يصلون، ووجدهم يزكون فهو يزكي كما كانوا يزكون لا ينتفع بهذه العبادات، ولا تباشر شغاف قلبه، ولا يصل الإيمان إلى شغاف قلبه.
لكن الذي يصلي وهو يتذكر الدافع العقدي الذي جعله يصلي ستنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، وأنا أعرف أن كثيراً منا يقول: أنا أصلي لا أتركها، ومع ذلك لا أجد صلاتي تنهاني عن الفحشاء والمنكر، وأزكي ولا أتركها، ومع ذلك لا أجد زكاءً بسبب الزكاة، وأصوم ولا أترك الصيام، ومع ذلك لا أجد طهرة كما يطهر الصيام أهله، وأحج، ومع ذلك لا أجد أثر الحج البالغ في زيادة الإيمان، فما السبب؟ الجواب أن هذا إنما يفعله الإنسان تقليداً وعادة، ولم يتذكر الدافع العقدي له، لكن إذا كان يصلي بهذا الدافع العقدي ويزكي به ويصوم به ويحج به ويتذكر قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام:162 - 163] فإنه سيستفيد من عباداته ويتقوى إيمانه بذلك.
وكذلك مما يعين على تقوية الإيمان حضور القلب بأداء العبادات، وتزكيتها بالنيات، فإذا خرج الإنسان من بيته تذكر أن كل حصاة وكل ذرة من الأكسجين وغيرها ستشهد له في مسيرته إلى أن يرجع، ويتذكر كذلك قصده، وأنه إنما قصد الابتغاء لمرضاة الله وأداء ما افترضه الله عليه في المسجد، وأنه يريد بذلك حسن الخاتمة، كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى، وإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى، ولعمري لو أن كل أحد منكم صلى في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).
وأن يتذكر الإنسان كذلك أنه سيعمر بيتاً من بيوت الله، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [التوبة:18]، وأنه سيلقى أهل الإيمان في المسجد من الملائكة وصالح الإنس والجن فيزيدونه إيماناً وتثبيتاً، وكذلك فإنه يلقى الملائكة الذين يكتبون الناس على أبواب المساجد الأول فالأول، وهكذا، فيكون في المسجد قد حبس جوارحه عن المعصية وأقبل بها على الله سبحانه وتعالى، فهذا مما يقوي الإيمان.
وكذلك مما يقويه صلاة الرجل في الليل والناس نيام، عندما ينام الناس فيتجافى جنبه عن المضجع، فهذا من أقوى ما يقوي إيمانه بالله، ولذلك قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:16 - 18].