حكم تكفير المسلمين وشروط تكفير المعين

Q بعض العلماء ينكرون على الدعاة ويكفرونهم -حسبنا الله ونعم الوكيل، فما جواب ذلك؟

صلى الله عليه وسلم تكفير المسلم خطره عظيم جداً، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، وقال: (تكفير المسلم كقتله)، وقال: (إن قال الرجل لأخيه: كافر فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه) وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكفير تحذيراً بالغاً، ولذلك لا يحل تكفير المسلمين، وعلى المسلم أن يتقي الله، ويعلم أنه إذا كفره وهو غير كافر في علم الله فقد رجعت عليه وحارت عليه، ويكون هو كافراً، نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا فالتكفير صعب جداً.

والتكفير المعين يشترط له سبعة شروط: الشرط الأول: أن لا يكون من قال الكفر أو فعله مكرهاً عليه؛ لقول الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106].

الشرط الثاني: أن لا يكون جاهلاً؛ لقول الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138]، ولم يقل: إنكم قوم تكفرون.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على شجرة كانت تدعى في الجاهلية (ذات أنواط)، فقالوا: (يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: الله أكبر! إنها السنن، قلتم -والذي نفس محمد بيده- ما قال أصحاب موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة)، ولم يكفر أحداً منهم.

الشرط الثالث: أن لا يكون الإنسان مقلداً إذا جرت عليه العادة في بلده، فإن وجد الناس على شيء لا ينكرونه ففعله أحدهم -ولو كان ذلك كفراً- فإنه لا يكفر به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا باللات ولا بالعزى، فمن قال ذلك فليقل: آمنت بالله)، وسمع عمر يحلف بأبيه فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، فمن حلف بغير الله فقد أشرك)، ومع ذلك لم يكفر أحداً بهذا الحلف.

الشرط الرابع: أن لا يكون مغطىً على عقله مغلوباً عليه، فإن كان مغطىً على عقله مغلوباً عليه فإنه لا يكفر بذلك؛ لقصة الرجل التي قصها لنا النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلاً كان عاصياً، فلما دنا أجله جمع أولاده وأخذ عليهم العهود والمواثيق إذا هو مات أن يحرقوا جثته وأن يقسموا رماده نصفين فيرموا نصفه في البر ونصفه في البحر، قال: فلإن قدر الله علي ليعذبنني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين - يشك في قدرة الله -.

فلما مات فعلوا به ما أمر، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، فقام بشراً سوياً، فقال: إيه عبدي! ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيت يا رب، فغفر له)، فهذا كان مغطىً على عقله بخشية الله وقت موته، فلذلك غفر الله له، مع أن ما قاله هو كفر.

الشرط الخامس: أن لا يكون غالط اللسان، فإن غلط لسانه وقال الكفر من غير قصد فإنه لا يكفر بذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (أن آخر رجل يدخل الجنة يقول: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك.

أخطأ من شدة الفرح)، وكذلك في الحديث الذي في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من أحدكم تكون معه راحلته وعليها زاده ومتاعه بفلاة من الأرض، فتنفلت منها فيتبعها، حتى إذا أيس من نفسه رأى شجرة فقال: لعلي أموت عندها.

فبينما هو كذلك إذا راحلته عنده فأمسك بخطامها وهو يقول: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك.

أخطأ من شدة الفرح)، فهذا لا يكفر به.

الشرط السادس: أن يكون الإنسان قد أقيمت عليه الحجة، فإذا لم تقم عليه الحجة فإنه لا يكفر؛ لقول الله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15].

الشرط السابع: أن يثبت ذلك عليه؛ لأن التكفير حكم قضائي يحتاج إلى إثبات، فالمتأول الذي لا يقصد الكفر وإنما اجتهد فأخطأ لا يكفر بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر).

ثم إن على الإنسان أن يتهم نفسه فيمن يعاديه ويواليه، فالعداء والولاء أمران من أمور العقيدة، والله سبحانه وتعالى بين للمسلمين من يحق لهم أن يوالوه ومن يحق لهم أن يعادوه، فقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56].

وبين لهم من يعادونه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1] إلى آخر السورة، وكذلك قال: {لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144]، وقال: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22].

فإذاً الذي يعاديه الإنسان ويواليه معروف محصور، وعلى هذا فلا يحل للإنسان أن يعادي إنساناً آخر على أساس أنه يدعو إلى خير مثلاً، بل هذا حقه أن يواليه، وإذا أخطأ نصح له، كما أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة.

قلنا لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)، فلا بد من تناصح المسلمين فيما بينهم.

ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدون بعدي من زهرة الدنيا، فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم، إلا آكلة الخضر) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن ما أخوف ما أخافه عليكم - أي: على هذه الأمة - ما ستجدون بعدي من زهرة الدنيا)، فإنها لم تفتح في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أكرمه الله بأن لم يُرِهِ فتح الأمصار، وإنما أعطاه مفاتيح خزائن كسرى وقيصر، وأخبر أن خزائنهما ستنفق في سبيل الله، لكن أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن لم ير ذلك، ولم ير الحضارة، ولم ير انفتاح أبواب الدنيا على هذه الأمة، فشرفه الله عن ذلك، فهو أكرم على الله من أن يعيش كما يعيش الناس في هذه الدنيا، ولهذا شرفه الله فلم تفتح هذه الفتوحات والخزائن التي وهبه الله إلا بعد موته.

(إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدون بعدي من زهرة الدنيا، فإنها خضرة حلوة) أي: إن هذه الدنيا بمثابة النبات، فهي خضرة حلوة، فهذا داع للازدياد منها، والإنسان الذي يجمع المال إذا غفل عن هدفه فإنه لن يكتفي، فهدفه في البداية هو الاستغناء عن الناس، فهو يريد أن يستعف بما يؤتيه الله، ويريد أن يتقرب إلى الله بما يتصدق به من ماله وبما يؤدي به الحقوق، يريد أن يتعز وأن لا يكون ذليلاً مسكيناً، لكنه يغفل عن هذا فيجمع فوق ما يكفيه لتحقيق هذه الأهداف، وما يزال يزيد على ذلك، فاثنان لا يشبعان: طالب الدنيا وطالب العلم، فطالب العلم لا يزداد من الله إلا قرباً، وطالب الدنيا لا يزداد من الله إلا بعداً.

ومن هنا قال: (فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم)، أي: إن مما ينبت الربيع بسبب نزول المطر ما يقتل حبطاً -أي: انتفاخاً- يقتل البهائم بالانتفاخ.

وقوله: (أو يلم) أي: يقارب ذلك، (إلا آكلة الخضر) هو نبات ليس من أعز النبات على الحيوانات البهيمية، ولكنه مع ذلك كاف من ناحية التغذية، ولهذا قال: (وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم، إلا آكلة الخضر فإنها رتعة) أي: آكلة من الخضر (حتى إذا امتدت خاصرتها) أي: نالت كفايتها (حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت) أي: أخرجت بعض ما في بطنها (وبالت ثم رتعت بعد ذلك).

وهكذا طالب الدنيا ينبغي أن يجعل لنفسه وقتاً للراحة من الجمع، وأن لا يجعل عمره كله كداً لا ينقطع، فإذا كانت العبادة التي يتقرب بها إلى الله ينبغي للإنسان أن لا ينقطع فيها ليله ونهاره، وأن لا يسرف فيها، فكيف بجلب الدنيا؟.

يقول البخاري في الصحيح: حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا عمر بن علي قال: حدثنا معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).

وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)، وقال صلى الله عليه وسلم: (

طور بواسطة نورين ميديا © 2015