والتربية مشتقة من: ربا يربو إذا زاد، فزيادة المال تسمى رباً له، وكذلك زيادة العقل، وزيادة قوة البدن، وزيادة الخلق، كل ذلك يسمى تربية.
وأصل هذه المادة في اللغة يستعمل منها أربعة أفعال، فيقال: ربا يربو، ومنها رباه يربيه إذا أوصله إلى كماله بالتدريج شيئاً فشيئاً، ومن هذا الفعل قول الشاعر: وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام قرنت بحقويه ثلاثاً فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام ويقال أيضاً: ربه يربه، ومنه قول صفوان بن أمية بن خلف رضي الله عنه: لأن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من هوازن.
الفعل الثالث: يقال: رببه يرببه، إذا أوصله إلى كماله بالتدريج شيئاً فشيئاً، ومنه قول أمية بن أبي الصلت الثقفي: بيض مرازبة غلب أساورة أسد ترببن في الغيضات أشبالا ويقال كذلك: ربته يربته، وهذا الفعل الرابع، ومنه قول الشاعر: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهل ومن هذا الفعل الرب، فالرب يطلق على المالك؛ لأنه هو الذي يعتني بتنمية مربوبه، فيقال: رب البيت ورب المنزل ورب الدابة، أي: مالكها، وأصلها راب، فكثير ما تحذف الألف من (فاعل) للمضعف، كما قال ابن مالك: وينحذف بقلة مضاعف منه ألف قوله: (بقلة) أي أنه مقصور على السماع، وليس معنى ذلك: قلة وجود الأمثلة على هذا، وذلك: كربٍ وشتٍ وقذٍ وعمٍ فكل هذا بمعنى فاعل.
وقول الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79]، قال ابن عباس في تفسير ربانيين: الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره، وهذا هو التدرج في طلب العلم، وهو مناسب لهذه المادة، ومثل ذلك قول الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران:146]، فالربيون منسوبون إلى الرب، وهم المربون أو هم المشتغلون بعبادة الرب سبحانه وتعالى.
وهذه التربية منها ما يقوم به الوالدان، فالولد أمانة عندهما يربيانه على وفق ما يريدان، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وقال: (ما منكم أحد إلا وينتج كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل ترى فيها من جدعاء) أو (فهل ترى فيها من جدع) فمعناه: أنه يولد كامل الأعضاء على الفطرة، ثم بعد ذلك تعمل فيه الأيدي في التربية، كما أن البهائم تولد كاملة ثم إن أهلها يسمونها، إما بقطع الآذان، وإما بوضع ميسم أو غير ذلك.
ثم بعد هذا تربية الإنسان لنفسه، وكذلك تربية مجتمعه له، فالشارع الذي يتربى فيه الإنسان، والمدرسة التي يدرس فيها، ووسائل الإعلام التي يسمع، ونحوها كل ذلك مؤثرات تؤثر في سلوكه وتزيد في عمله أو تنقص، وتؤثر في السلوك فيكون إيجابياً ويكون سلبياً.