هذه بعض علوم اللغة العربية التي هي فروض كفايات، وبهذا تعرف مزية هذه اللغة من ناحية الحكم، أما من ناحية المصلحة، فإن أعظم ما تحتاج إليه الشعوب والأمم هو ما يميزها حتى لا تذوب فيما سواها، وكل أمةٍ لها حضارة، ولها ميزات تميزها عن غيرها، وإذا زالت هذه الميزات وذابت في غيرها ذابت تلك الأمة في غيرها من الأمم، ومن هنا فإن الميزة التي تميز هذه الأمة عن غيرها من الأمم هي اللسان العربي.
وإذا تخلصت هذه الأمة من لسانها أصبحت ذنباً في ذيل غيرها من الأمم، وكانت تابعةً لغيرها، ولم يعد لها تاريخٌ، ولا ذكرٌ بين الأمم، ونظير هذا كثير جداً مما يقتضي منا المحافظة على مثل هذه القيم، وهذا التراث العريق الذي نحن بحاجة إليه، والأمة بحاجة إلى من يقوم بحفظه والعناية به.
إن الحفاظ على هذه اللغة العربية بالإضافة إلى أنه مما يتعبد الله به ويبتغى به وجهه، هو من التسنن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين، والتابعين وأتباعهم، وهو كذلك مما يرفع الله به الدرجات، ويزيد به المنازل، والناس محتاجون إليه، ولا يمكن أن يستغنى عنه، ولهذا يجب على الآباء أن يعلموا أولادهم هذه اللغة، وأن يعلموهم محبتها، ويجب على أساتذة اللغة العربية أن لا يكونوا من الفتانين، وأن يحببوا هذه اللغة إلى من يدرسها، وأن يحدثوا لديهم ذوقاً لغوياً يقتضي منهم محبةً لهذه اللغة وعناية بها وتركيزاً عليها، وكذلك على الأمهات أن يشاركن في تعليم الأولاد، وتحبيب هذه اللغة إليهم، وعلى الكبار كذلك أن يدرسوها، وأن يتدبروها، وأن يعلموا أنهم لا يمكن أن يفهموا القرآن ولا السنة إلا إذا كان لديهم رصيدٌ من هذه اللغة، وأن يفهموا أن قيمهم وتاريخهم ومجدهم مرتبط بهذه اللغة.
إن الحفاظ على هذه اللغة لا يمكن أن يكون من واجبات نظام أو دولة فقط، بل لابد أن يكون من واجبات الأفراد والأمة بكاملها، وأن تعتني بذلك، وأن يقع التعاون عليه، وأن لا يبقى أحدٌ يستطيع المشاركة إلا قدم مشاركته.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يزيدنا علماً، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم وفقنا لما يرضيك عنا، وخذ بنواصينا إلى الخير أجمعين، اللهم استرنا بسترك الجميل، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا.