ومن العلوم اللغوية المهمة: علم التاريخ: وهو الذي يعرف به طريقة التاريخ لأية حادثة، فتاريخ العرب يبدأ بالليالي لسبقها على الأيام، ويعبر عنه بعبارة مناسبة، سواء كان في أول الشهر أو في آخره، ومن لم يتقن ذلك لم يستطع الاستدلال بالتاريخ.
والتاريخ ضرب من ضروب الاستدلال في القرآن، ولهذا رد الله تعالى على اليهود والنصارى حين زعموا أن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، فقال الله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:65].
فبداية اليهودية نزول التوراة، وبداية النصرانية نزول الإنجيل، وإبراهيم ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده، فهذه الدعوى باطلة.
ومثل هذا ما استدل به الخطيب البغدادي حين جاء اليهود بوثيقةٍ يزعمون فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عنهم الجزية، وهي وثيقة قد كتبوها في عصور سابقة، ووضعوا عليها الزيت، ووضعوها في الشمس أو سخنوها على النار حتى أصبحت قديمة، وأخرجوها في أيام أحد خلفاء بني العباس، فلما عرضت هذه الوثيقة على الخطيب البغدادي بصق عليها، وقال: هذه مزورة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقيل: من أين لك ذلك؟ فقال: ذكر من شهودها سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان، وما جمعهما الإسلام، فقد أسلم معاوية عام الفتح، ومات سعد أيام غزوة بني قريظة، وقد جرح بالأحزاب، وغزوة بني قريظة كانت في نهاية العام الخامس من الهجرة، والفتح كان في العام الثامن من الهجرة، فما جمعهما الإسلام، فكيف يستشهدان على شهادة واحدة؟! ومثل هذا ما حصل للحاكم أبي عبد الله أحمد بن البيع حين سمع شيخاً بنيسابور يحدث عن هشام بن عمار، فسأله فقال: متى دخلت مصر؟ قال: سنة ثمانين.
فقال: إن هذا الشيخ يحدث عن هشام بعد موته! لقد لقي هشام بعد موته بإحدى عشرة سنة! فهذا مما يحتاج الناس إليه في إثبات العلم، ولا يمكن الاستغناء عنه.