إن من الأمور التي تحل الخلاف: أن نعلم أن الناس جعلهم الله عز وجل مراتب ودرجات في العلم، فإذا كنت يا أخي تستشعر أن أخاك لديه من العلم ما ليس لديك، وأنه ائتمنه الله على ما لم يأتمنك عليه، فلابد أن تقدر على الأقل ائتمان الله له، والله اختاره أميناً على الوحي فجعل ذلك تحت يده، فكيف تغبطه أنت على ذلك؟! ومن هنا فقد جاءني ذات يوم شاب صغير من طلبة العلم في كلية الشريعة، ينتقد أحد العلماء انتقاداً لاذعاً ويسب ويشتم، فقلت له: يا أخي! أيكم أعلم بكتاب الله؟ قال: هو أعلم بكتاب الله! قلت: فأيكم أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! قلت ما ظنك أيكم أخشى لله وأشد خوفاً منه؟ فسكت! فقلت: يا أخي! إذا كان أعلم منك بكتاب الله وأعلم منك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخشى منك لله، فكيف تتجاسر عليه بمثل هذا الكلام؟! إن الإنصاف يقتضي أن يستشعر الإنسان أنه فوق كل ذي علم عليم، وأن كل إنسان لا ينبغي أن يتجاوز حده، وأنه لا يضره لو رجع إلى الحق، فقد كتب عمر رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري في القضاء: (ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل).
وقد أخبرني جدي محمد بن علي رحمه الله أنه كان يعجبه في العلامة أحمد بن أحمدي رحمه الله سرعة رجوعه إلى الحق، فيقول: قد كان يخالفني في مسائل، ففي أول الأمر يمتنع فيها من المناقشة، ثم بعد يسير يقف ويقول: أشهدكم أني قد رجعت، وحينئذ لا يجد أية غضاضة وهو العلامة أحمد بن أحمدي يعلن على الناس أنه رجع، فالأمر ميسور، ولا يدعي العصمة، وإنما اجتهد بعقله الآن في هذه المسألة واجتهد بعدها اجتهاداً آخر فجاء اجتهاده الثاني ناقضاً لاجتهاده الأول فرجع.
إن الإنسان إذا أحس بالأمانة التي يتحملها، وأحس بجسامة التوقيع عن رب العالمين والإخبار عنه، أحس بعظم هذا الأمر، ولم يكن ليلقي الكلام على عواهنه، فإن الله تعالى يقول في كتابه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، فالقول على الله بغير علم من أعظم ما نهى الله عنه في كتابه.
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يسددنا لأحسن الأقوال والأعمال، وأن يصرف عنا سيئها، لا يهدي لأحسنها ولا يصرف سيئها إلا هو، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.