ومن خشية نبينا صلى الله عليه وسلم لله تبارك وتعالى: (أنه كان يقوم الليل فيطول القيام حتى تورمت قدماه، فيقال له: ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً).
وكان إذا رأى المطر خاف خوفاً شديداً، فكان يدخل ويخرج ويقبل ويدبر من خشية الله، فقيل له في ذلك، فقال: (خشيت أن تكون كقوم هود الذين قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فقيل لهم: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:24])؛ وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس -وهذا أمر يتكرر فتكسف الشمس، ويخسف القمر ولا نرى الفزع ولا الجزع في قلوب الناس!! وهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما قلوب عباده- فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس خاف خوفاً شديداً، وقام فصلى فأطال الصلاة، ووعظ الناس وذكرهم.
وكذلك لما جاء القحط، فخاف وبدا التأثر عليه، وقام في الناس خطيباً في صلاة الاستسقاء، فقال فيما روت عنه عائشة رضي الله عنها: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم إن بالعباد والبلاد، والخلائق والبهائم من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً).
فهذا حال أنبياء الله، وحال أصحابهم من بعدهم، فجدير بنا أن نحرص على أن تزداد خشيتنا لله، وخوفنا منه، وبالأخص عندما يتعرض الله لنا بالأخذ، ففي هذه الأيام -مثلاً- يشكو الناس من ارتفاع في الأسعار، وتراجع في القوة الشرائية، وهذا من أمر الله سبحانه وتعالى، لكن كثيراً من الناس يغفلون عنه، فيبحثون عن الأسباب الدنيوية المباشرة وينسون الذنوب التي هي سر ذلك كله، وقد قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، فما يصيب الناس من اللأواء والجهد والضنك، كله بسبب ذنوبهم، وقد أخرج ابن ماجة في السنن وأحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وابن خزيمة في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمساً، فما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها، إلا ظهرت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم)، ومصداق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ما نشهده الآن من انتشار الإيدز.
فلذلك قال: (ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وجور السلطان ونقص المئونة، وما نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما حكمت أئمتهم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).
فلذلك لا بد إذا تعرض الله لنا بشيء من أخذه أن نبادر إلى التوبة وأن نزداد خشية لله وخوفاً منه، وقد قال تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43].
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرزقنا خشيته في السر والعلانية، وأن يجعلنا من الذين يخافون الله ويخشونه، وأن يجعلنا من المخلِصين المخلَصين، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً، وأن يجعلنا أجمعين قرة عين للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا التمسك بسنته عند فساد أمته، وأن يسقينا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأن يعطينا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا، وأن يجوزنا على الصراط كالبرق الخاطف، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.