إن الإنسان الذي ينفق ابتغاء مرضاة الله، ينفق ولو وصلت نفقته إلى من لا يستحقها، فإنه يثاب عليها، ويتقبلها الله منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً من بني إسرائيل، قال: لأتصدقن الليلة بصدقة -عاهد الله أن يتصدق بصدقة يخلص فيها- فجمع تلك الصدقة من ماله، والناس نيام فخرج بها، فوضعها في يد بغي، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على بغي! فقال: لك الحمد، على بغي.
ثم قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فأخذ صدقته والناس نيام فخرج بها فوضعها في يد غني، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني! فقال: لك الحمد، على غني.
ثم قال: لأتصدقن الليلة بصدقة، فأخذ صدقته، فجعلها في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: لك الحمد على سارق، فأتاه ملك في النوم فقال: إن الله تقبل صدقتك؛ فالبغي ما حملها على البغاء والزنا إلا الجوع، فقد أغنيتها عن ذلك، والغني: لم يكن يستشعر أن عليه حقاً، فلما تصدقت عليه عرف أنه ينبغي أن يتصدق، والسارق ما حمله على السرقة إلا الجوع، فقد أغنيته عن ذلك)، فتقبل الله سبحانه وتعالى منه هذا العمل الذي ظاهره أنه وقع في غير محله، ولكن صاحبه كان مخلصاً لله، فأثابه الله على ذلك.
والإنفاق إذا وقع في محله كانت له فوائد عظيمة على المجتمع كافة، تخيل -يا أخي- عندما تأخذ المال الذي اكتسبته من حلال، وأخفيته عن نفسك، وعن حوائجك، وآثرت به الآخرة على الأولى، وجعلته في كمك، وخرجت به تلتمس الفقراء والمحرومين، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، فوجدت أسرة لا ترى فيها مواقد النار، وليس بها غنى، أهلها متعففون لا يتكففون الناس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الفقير الذي يتردد على الأبواب، وترده اللقمة واللقمتان، والطعمة والطعمتان، إنما الفقير المتعفف)، فالفقير المتعفف إذا وصله خيرك -وهو في داره- كتب الله لك أجر ذلك، ووجدته أمامك يوم القيامة.