موقف الأئمة الأربعة من النصوص

إن هذا هو من التعصب البين المقيت، وعلينا أن نعلم أن المذاهب ليست ديانات منزلة، وإنما هي اجتهادات أئمة في الدين، سخرهم الله تعالى لحفظ الشريعة، فاجتهدوا في تغطية النوافذ والوقائع التي لم يجدوا فيها نصوصاً، فبينوا فيها ما أداهم إليه اجتهادهم، وهم جميعاً يقولون: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ، كما كان مالك رحمه الله يقول: ما منا من أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.

وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول: إذا وجدت قول النبي صلى الله عليه وسلم لم أعده، فإن لم أجده فوجدت قول أحد من أصحابه لم أعده، فإن لم أجده ووجدت قول عبيدة السلماني وزر بن حبيش وقيس بن أبي حازم وأضرابهم لم أعده، فإن تجاوزت أولئك فهم رجال ونحن رجال.

وكذلك قال الشافعي رحمه الله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا وجدتم قولي يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط.

وكذلك قال أحمد بن حنبل رحمه الله: لا ينبغي لأحد أن يعارض السنن بقياس ولا رأي.

وهذا الذي نص عليه خليل رحمه الله في الجامع إذ قال: ولا يحل أن تعارض السنن بقياس ولا رأي، ولا يعرف عن أحد من أهل المدينة رواية خبرين اختلفا، فإنما يحدث بالذي عليه العمل، فلذلك لا يمكن أن تعارض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم بأقوال أحد من الناس، إذا وجد القول عن النبي صلى الله عليه وسلم وفهمناه واتفقنا على فهمه فهو حاسم للخلاف بيننا جميعاً، وإذا لم نجده ووجدنا خلافاً بين المجتهدين وكل منهم له وجه ومأخذ شرعي، فلا يمكن أن نتعصب لأحد، ومن ترجح لدينا قوله أخذنا به مع احترامنا للآخر المقابل له غاية الاحترام، ونعلم أن من أخطأ منهم فهو معذور في خطئه مأجور على اجتهاده، وأن من أصاب له أجران.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015