بعد أن ذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام ووجوب الإيمان بهم على سبيل الإجمال، ذكر التعويل على شهادة أن محمداً رسول الله، وهي الشهادة الثانية من الشهادتين، وهما ركنا الاعتقاد: فالركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله، وكل ما سبق من التفصيلات داخل في هذه الشهادة.
والركن الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله.
وإنما بدأنا قبل الكلام في هذه الشهادة بالكلام على الرسل لدخول تصديق الرسل في تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كذب رسولاً واحداً فقد كذب كل الرسل، ومن صدق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صدق بكل الرسل؛ لأنه خاتمهم، ومصدق لما بين يديه كما وصفه الله بذلك.
ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر تكذيب قوم لنبيهم ينسب إليهم تكذيب جميع الرسل، كما في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:176]، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:160] وهكذا، فكلما ذكر نبياً كذبه قومه، يذكر أنهم كذبوا جميع المرسلين، وذلك أن مقصد الرسالة في الأصل واحد، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد)، وهذا تفسير قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13].