بالنسبة للاستدلال بخبر الآحاد في هذا العلم: فقد ذكرنا أن مستمده من الكتاب والسنة مطلقاً، والكتاب ليس فيه أخبار آحاد إلا شواذ الآيات، ولا يعرف في الشاذ من القراءات في القرآن ما يفيد بعض صفات الله، أو ما يفيد شيئاً من تفصيلات هذا العلم، إنما فيها ما يفيد في مجال الأحكام.
وأما في الحديث فإن الراجح أن أخبار الآحاد إذا صحت يستدل بها في هذا العلم، لكن لا يستدل بها في القطعيات إلا إذا وصلت إلى درجة القطع، وقد ذكرنا أن هذا العلم منه قطعيات ومنه ظنيات، فإذا كانت أخبار الآحاد ظنية فإنها يستدل بها في ظنيات هذا العلم، وما كان قطعياً منها مثل ما احتف بالقرائن فإنه يستدل به في القطعيات، فأخبار الآحاد الراجح أنها إذا احتفت بالقرائن أفادت العلم القطعي، هذا الذي نص عليه أحمد بن حنبل وذكره من دونه.
وبعض المحدثين يرى أن أخبار الآحاد إذا صحت صناعة أفادت العلم القطعي، وهذا يقوله كثير من المحدثين لكن لا معنى له، حتى إن العراقي رحمه الله ذكر الرد على هذا في ألفيته في الحديث حيث قال: وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر لا القطع والمعتمد إمساكنا عن حكمنا على سند بأنه أصح مطلقاً وقد خاض به قوم إلى آخر ما قال.
كذلك من المتكلمين من رأى أن أخبار الآحاد لا تفيد القطع مطلقاً، وعلى هذا رد الاستدلال بها في القطعيات مطلقاً، لكن هذا القول فيه شطط وغلو، ولهذا فإن معنى القطع: القناعة التي تجدها أنت في نفسك، ولاشك أن أهل السنة إذا بلغهم الحديث من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر وصلوا إلى قناعة عقلية به، وهذه القناعة هي المطلوبة.
فلذلك ما اختف بالقرائن يقتضي القطع، فإذا كان الحديث متفقاً عليه أخرجه البخاري في الصحيح ومسلم في الصحيح، فأهل السنة الذين ليسوا غالين فيها ولا جافين عنها فيكفيهم هذا، بحيث يصلون إلى قناعة عقلية بأن هذا صحيح، وهذا هو المطلوب وإن كانت القناعة متفاوتة.
ونحن نعرف أن أهل الغلو يمكن أن يقولوا: هذا الحديث أخرجه البخاري في الصحيح لكنه غير صحيح، أو أخرجه مسلم في الصحيح لكنه غير صحيح، لكن هذا غلو في السنة.
عامة المسلمين وعامة أهل السنة إذا كان الشيء في الصحيحين، وجدوا أنفسهم مسلمين به، وكذلك في الإسناد، مثلما قال العراقي: (وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر) فظاهره الصحة، أو ظاهره الضعف؟ لا القطع والمعتمد.
إمساكنا عن حكمنا على سند بأنه أصح مطلقاً وقد خاض به قوم فقيل مالك عن نافع بما رواه الناسك مولاه واختر حيث عنه يسند الشافعي قلت وعنه أحمد