جاء بعدهم أتباعهم وهم التابعون فلم يحتاجوا كذلك حاجة ماسة إلى البحث في الجهتين: أما جهة الرواية فلسماعهم من الصحابة المعدلين بتعديل الله، وأما جهة الدراية؛ فلأن الأوضاع لم تختلف ولم تتغير كذلك، فاللغة لم تتغير دلالات مفرداتها، وأوضاع الناس لم تختلف، والحضارات لم تختلف، وبقي فقط نقص هذه الأمة بتربية الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أفضل جيل يمكن أن يوجد بعده هم الجيل الذين رباهم، فاستفادوا من هذا الجيل، وحتى ارتسم ذلك فيهم وتشكل، كما ذكرنا أن ابن مسعود رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يحكي هديه ودله، وربى ابن مسعود علقمة فكان يحكي هديه ودله، وربى علقمة إبراهيم النخعي فكان يحكي هديه ودله، وربى إبراهيم منصور بن المعتمر فكان يحكي هديه ودله، وربى منصور سفيان الثوري فكان يحكي هديه ودله، وربى سفيان وكيعاً فكان يحكي هديه ودله، وربى وكيع أحمد بن حنبل فكان يحكي هديه ودله، وربى أحمد بن حنبل أبا داود فكان يحكي هديه ودله، كل واحد ينقل صورة مما رأى فيكون مثالاً للآخر تماماً.
ويقول الشيخ محمد سالم حفظه الله في ذلك: ربى ابن مسعود مقيم الملة فكان يحكي هديه ودله وكان علقمة لابن أم عبد كهذا للنبي الأمي وكان إبراهيم يحكي علقمة واه له من نسب ما أكرمه وكان منصور لإبراهيم كذاك يحكي هديه القويم وكان سفيان بلا قصور مشبهاً بشيخه منصور وهكذا أيضاً وكيع كان مشبهاً بشيخه سفيان وكان أحمد لدى الجميع مشبهاً بشيخه وكيع كذا أبو داود عند مشبه بأحمد بن حنبل فهذه التربية الموروثة التي تتسلسل، فيكون الإنسان إذا أدركته كأنما رأيت صحابياً بالتسلسل، لذلك يقول أحد العلماء عندنا في مرثية الشيخ رحمه الله: يمثل من هدي الصحابة صورة ويا حبذا هدي الصحابة مغنما كما تعكس المرآة وجهاً أمامها ويحكي الصدى الصوت الفخيم المرخما إذاً الحاجة إنما جاءت في عصر أتباع التابعين، فاحتاجوا إلى البحث في الجهتين معاً، جهة الرواية وجهة الدراية، ومن هنا بدأ نخل العلوم وتفصيلها على ما ذكرنا.