أما سوى ما ذكر فإن البركة قد توجد، لكن لا يقطع بوجودها إلا بما جاء الوحي بأنها فيه، فالله سبحانه وتعالى ذكر بركة الماء المنزل من السماء، وذكر بركة البيت الحرام، وعرفنا بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ما سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأشخاص لم يرد فيهم النص؛ فلذلك لم يتبرك بهم، وهذا في الأعم الأغلب.
ولا ينكر أنه حصل في بعض الحكايات لبعض الصحابة بعض التبرك، لكنه لم يشتهر ولم ينتشر بينهم مثل انتشار تبركهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالأخص بأهل بيته، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث جعفر بن محمد عن أبيه أنه دخل على جابر بن عبد الله، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فعرفه بنفسه فقال: يا ابن أخي! ادنُ مني.
فأدناه، فحل زره الأعلى، ثم حل زره الأسفل، ثم وضع يده بين ثدييه.
وما فعل هذا جابر بحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبركاً به، ولأنه يقصد بذلك إدناءه ومحبته لحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآل بيته، وليس في ذلك غلو ولا اعتقاد أنه ينفعه أو يضره، بل جابر أفضل من محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم أجمعين.
ومن فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه أنه حين ذكر في (كتاب التوحيد)، التبرك المذموم، ذكر التبرك بالأشجار والأحجار ولم يذكر التبرك بالأشخاص؛ لأنه يفصل فيه، فلم يذكره أصلاً، وإنما ذكره الشُّرَّاح وبالغوا فيه لكن الشيخ ما ذكره.
أما التبرك بالأحجار والأشجار والقبور ونحو ذلك، فهذا التماس للبركة في غير ما هي فيه، ومن ذلك قبور الصالحين والشهداء والصحابة، حتى الأنبياء فإن أجسادهم مستورة، والتربة التي يتبرك بها الناس ليست بأجسادهم المباركة، ولم تتحلل أجسادهم إلى التراب أصلاً؛ لأن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فلذلك لا يتبرك بشيء من ذلك.