قوله: (لا تشركوا في نوعها عبادة)، يعني: عبادة الله سبحانه وتعالى، فلا تشركوا في نوع ما يسمى عبادة، فيدخل في هذا النذر والذبح ونحوهما، فلا يجوز النذر للمخلوق بل هو شرك بالله سبحانه وتعالى، وكذلك التعبيد بالأسماء، وكذلك الذبح ولهذا قال: [فلا تسموا ولداً عبد علي أو تنذروا لصالح أو لولي] أي: فلا تسموا ولداً عبد علي أو عبد فلان من الناس؛ لأن هذا تعبيد فلا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى، فلا يطلق ذلك في التسمية، لكن إذا كان مملوكاً له يجوز أن تقول: أتاني عبد فلان فسألني عن كذا.
وهنا يأتي التفريق بين ما يرد في الكلام على الحقيقة وما يرد على المجاز، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقول أحدكم عبدي أو أمتي بل يقول فتاي وفتاتي)، فالنهي هنا من باب الأدب، فلا ينبغي للإنسان أن ينطق بذلك؛ لأن فيه كسراً لخواطر الذين يخاطبهم بذلك.
وإذا أراد الإنسان أن ينسب إلى غيره عبداً أو أمة فلا حرج أن يقول: هذا عبد فلان، أو أمة فلان، أو جارية فلان مثلاً، ولكن المحذور هو التسمية بذلك، وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أسماء الجاهلية التي فيها تعبيد لغير الله، حتى من مات على الكفر قد يغيره إكراماً لولده، فقد كان رجل من بني سليم يسمى غاوي بن عبد العزى فلما أسلم وحسن إسلامه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير اسمه واسم أبيه، فسماه راشد بن عبد ربه.
فتغيير اسم أبيه هنا لا ينفع أباه بشيء ولكنه تكريم له هو، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغير اسم عبد المطلب، ولا عبد العزى، من أجداده صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم والدته آمنة بنت وهب أمها برة بنت عبد العزى بن قصي، فلم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه.
وحتى بعض أعمامه فإن أسماءهم كانت من أسماء الجاهلية، ولكنهم اشتهروا بكناهم كـ أبي طالب مثلاً، واسمه عبد الكعبة، مع أن الكعبة لم تكن تعبد في الجاهلية وقد خصها الله بهذا، لكن المقصود بذلك أنه سادنها وخادمها، وأبو لهب اسمه عبد العزى، ولكن اشتهرت كنيته فغطت على اسمه.
قوله: (فلا تسموا ولداً عبد علي)، معناه أنه لا يجوز لوالد مولود أن يسميه بالتعبيد لغير الله، ولا يجوز لغيره إذا سماه هو بذلك أن يطلقه عليه، والتخلص من ذلك إما بتغيير اسمه بالكلية، أو إذا كان منسوباً لصالح أو لنبي فيجعل ذلك على تقدير مضاف، فإذا سمي عبد الرسول أو عبد النبي أو عبد علي، فإنه يقال: عبد رب النبي، وعبد رب الرسول، وعبد رب علي، وعبد رب الحسين، وهكذا.
وهذه إنما اشتهرت في الشيعة فهم الذين يسمون هذه الأسماء، وتندر في أهل السنة، وإنما تقع في الفئات المخالطة للتشيع التي يقع فيها التعبيد لغير الله، ولا يقصدون بذلك حقيقة الأمر؛ إذ لو قصدوا ذلك لأشركوا، وإنما يقصدون به تشريف هؤلاء الذين يضاف إليهم الأولاد وينسبون إليهم.