العنصر الثاني: أجر طلب العلم وتعليمه: ورد في هذا الكثير من النصوص، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الاشتغال به عبادة، وأنه كالجهاد في سبيل الله، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أجر المشتغل بالتعليم، وما له من المنزلة، وأنه يكتب له أجور من عمل بذلك إلى يوم القيامة، فقد صح عنه أنه قال: (من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا).
وقال: (بلغوا عني ولو آية).
وقال: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب).
وقال: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرُبَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بطلبة العلم، فقال: (سيفد عليكم رجال يلتمسون هذا العلم، فاستوصوا بهم خيرًا) فأولئك الذين أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خيرًا يدل على عظم ما هم مشتغلون به، ومزيته في هذا الدين؛ ولذلك أخرج مالك في الموطأ عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه كان يقول: (من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرًا، أو ليعلمه، ثم رجع إلى بيته؛ كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانمًا).
وقد سئل مالك عن المقرب للقتل الذي لم يبقَ من عمره إلاّ ساعة: في أية طاعة يصرفها؟ قال: (علم يتعلمه).
فقيل: يا أبا عبد الله! إنه لا يعمل به! فقال: (تعلمه أفضل من العمل به).
وقال الشافعي رحمه الله: (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة).
وقد نظم ذلك السيوطي رحمه الله فقال: والعلم خير من صلاة نافلة فقد غدا الله برزق كافله قال أهل العلم: بالعلم فُضِّل السلف على الخلف؛ لأن كل عالم ورَّث علمه وتركه لمن وراءه فقد استمرت حياته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية).
فجعل هذا العلم الذي ينتفع به من عمل ابن آدم الذي لا ينقطع، ومن كسبه المستمر.
ومن هنا فكل منتفع بعلم عالم من الماضين يكتب له أجره وأجر من تبعه على ذلك إلى يوم القيامة؛ وبهذا يعلم فضل السلف على الخلف، كما قال جدي محمد علي رحمه الله: وكل أجر حاصلٍ للشهدا أو غيرهم كالعلماء والزُّهَدَا حصل للنبي مثله على أجور ما كان النبي فعلا مع مزيد عدد ليس يحدُّ وليس يحصي عده إلاّ الأحد إذ كل مهتدٍ وعاملٍ إلى يوم الجزاء شيخه قد حصلا له من الأجر كأجر العاملِ ومثل ذا من ناقص أو كامل وشيخ شيخه له مثلاه وأربع لثالث تلاه وهكذا تضعيف كل مرتبة إلى رسول الله عالي المرتبة ومن هنا يعلم تفضيل السلف وسبقهم في فضلهم على الخلف إذاً: أجر تعليم العلم عظيم؛ لأن المعلم إنما يبلغ عن الله تعالى، وينوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالات ربه، ولأن المفتي كذلك يوقع عن رب العالمين.
وهذه المنزلة العظيمة لا شك أن خطرها عظيم، فكذلك أجرها يكون بهذه المنزلة.