وها نحن نستعرض نقولاً سريعة؛ لنخلص إلى حقيقة الموضوع، وربما لا نذكر بعض الأسماء، وقد نذكر بعضها بحسب ما يقتضيه المقام: فهذا أحدهم يقول: هذه هي النتيجة بالضبط التي يريدها المسلمون أو هذه الجماعات المسلمة، وهي نتيجة معلنة بالسلاح في المساجد والشوارع والمعاهد؛ حيث تقام محاكم التفتيش الإسلامية جهراً، وتصدر أحكامها، وتنفذ حرق محلات الفيديو، وجلد الرجل الذي يمشي مع زوجته أو أخته، وتحطيم خشبات المسارح ودور السينما، وعندما لا يجد القاضي الذي يطارد المفسدين أو أحد المفسدين سوى القانون أو الدولة فإنه يستقيل من منصبه؛ ليؤلف كتاباً عنوانه (مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة)! وهو يقصد أشخاصاً بأعيانهم، لكن الذي يحلل هذا النص يجد أنه يريد أن يثير الرعب في نفوس الناس من الإسلام، وأن يصوره بصورة مرعبة وبعيدة عن الناحية العلمية التي يدعيها أمثال هؤلاء، وبعيدة عن الواقع الذي يشهد في كل موقف من مواقفه وحدث من أحداثه بغير كلام هؤلاء.
وهم بهذا الكلام يخفون الأمور الخاصة بهم التي يخشون من ضياعها منهم.
ويقول مرة أخرى: إن نجاح الجماعات الإسلامية في الاستيلاء على الاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس فرض إرهاباً فكرياً يومياً على الأساتذة والطلاب، فأصبح من الممكن استبعاد نصوص لبعض كبار الأدباء، كـ توفيق الحكيم ونجيب محفوظ إلى آخره.
ثم يقول: إن تغييراً جزئياً ونسبياً في برامج التدريس ومناهجه في مصلحة الأفكار الدينية أصبح يهدد الأمن التعليمي والنظام التعليمي! الإنسان حينما يفكر يرى أن السابقين -وإن كانوا من الأعداء- كانوا أكثر منطقية، وكانوا أكثر واقعية في عرض الصورة، وكانوا معتمدين على دراسات وعلى إحصاءات، وعلى أمور دقيقة، وليس على مجرد التهويش أو مجرد حصول فرصة للهذيان أمثال هؤلاء الذين يكتبون وينشر لهم، أو يتحدثون ويذاع لهم، أو يتولون السلطة في مواقع معينة فيمارسون بالفعل ما يقولونه بأفواههم.
ومثل هذا كثير؛ فأحدهم يقول: ونبحث دائماً عن المستفيد -يعني: في الدعوة إلى الإسلام- فأنا أقول: إن المستفيد من الإسلام ومن الاستيلاء على الحكم في مصر باسم الدين -وهو يمثل كلاماً عن دولة بعينها باسم الدين- وانتقال هذا الحكم المستبد تحت راية الإسلام إلى أخرى في المنطقة هم من يتصورون ويصورون أن الحكم الديني هو خط الدفاع لمواجهة الشيوعية، فالمستفيد -إذاً- هو من يروج الآن لنوع من الرأسمالية تحت حماية دينية، وهو نوع طفيلي غير منتج برءوس أموال مستوردة.
وهذا يخرج عن دائرة التحذير إلى دائرة الخصومة الشخصية! ولذلك يقول في التخويف من وجود النظام والحكم الإسلامي الذي فيه الخير كله: إن ذلك من شأنه عودة مصر والمنطقة كلها مئات السنين إلى الخلف! وهذه القضية يشوه ويخوف بها أمثال هؤلاء في هذه القضايا، وبعض هذه الصيحات تدخل في قضية أو في جزء من الناحية المنهجية في طبيعة عرضهم لهذا الاتجاه أو لهذا الأمر.
ثم نذكر أيضاً بعض هذه النصوص حتى ننهي الحديث عنها؛ لننتقل إلى قضية أخرى.
يقول هذا الرجل تأكيداً على أن القضية متعلقة ببعض الأمور: إذا حكم الإسلام وأردنا أن نتصور أن الإسلام لابد أن يحكم وأن يكون هو الموجه للأدب وللفن ولربط العلاقات الاجتماعية وإلى غير ذلك يقول: إذاً: من الذي سيحكم على البرامج والأفلام وكذا بأنها مؤمنة أو كافرة؟ إنهم بشر سوف يؤولون كل شيء حسب معتقداتهم السياسية ومصالحهم الاجتماعية تحت ستار الالتزام الإعلامي الرسمي من جانب الدولة بحكم أن الدولة أو أن الأمة أو المجتمع المسلم لابد أن يحكم بالإسلام.
يقول: وهذه كلها عدوان صريح على ما يؤكده الدستور من حرية الفكر والتعبير والاعتقاد! وهذا الأمر يؤكد أنهم يقصدون جوانب معينة، وهذه الجوانب يراد بها أفكاراً، ويراد بها أعمالاً، ويراد بها ممارسات منحرفة عن الدين، وحينما يظهر الدين الحق والرأي الصادق الصحيح للإسلام سوف تكون هذه الأمور خارج الأقواس وخارج التأييد، لذلك يكثرون من الحديث حولها.
ولذلك يقولون: إن هذه الأعمال ستصادر الأعمال الفكرية والعقلية الكبيرة، وذكروا أمثلة: مثل (مع الشعر الجاهلي) لـ طه حسين و (في الحكم) لـ علي عبد الرزاق و (الفتوحات المكية) لـ ابن عربي و (أولاد حارتنا) لـ نجيب محفوظ وغيرها من الكتب التي تمس بصورة مباشرة عقيدة ونظام الإسلام، ولذلك لم يكن لها مكان عند المسلمين، وحينما بدأ هذا الدين يحيا في قلوب الناس بدأ التخوف من هذه الظاهرة، وللأسف! يعلن ذلك بألسنة عربية وبأسماء إسلامية! إذاً: هذا هو الجانب الأول، وهي: صيحات الرعب أو التخوف على صورتها الأولى والمبسطة.