هل يحصل الحزن إذا تم التقصير في أمر الآخرة؟ إذا فاتت صلاة الفجر فلا مشكلة، بل إذا تأخر عن أداء الصلاة جماعة، بل عن أداء الصلاة بالكلية، بينما كان الصحابة يعزون من فاتته تكبيرة الإحرام، وكانوا إذا فاتت الواحد منهم الجماعة ورد في بعض الآثار أنه يعزى ثلاثة أيام، فهو حزين والناس يرثون له.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -كما في الصحيح- لما مرض يوم الفتح وقيل في صلح الحديبية وأراد الرسول أن يرجع إلى المدينة، وكان المهاجرون رضي الله عنهم وأرضاهم من أمر هجرتهم في شرع الله ألا يرتدوا بعد هجرتهم، وكلهم بعد أن هاجروا المدينة ما رجع أحد منهم إلى بلده؛ لأنهم خرجوا لله ورسوله فلزموا ذلك، فلما أراد الرسول أن يرجع وكان سعد بن أبي وقاص مريضاً لا يستطيع أن يرجع، فدخل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا هو حزين يبكي ويقول: يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي، أي: هل أبقى هنا ولا ألحق معكم ولا تتم لي الهجرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له مبشراً: (لعلك أن تخلف فيسر بك أقوام، ويضر بك آخرون)، فكانت بشارة وعلامة نبوة من الرسول؛ لأن سعد بن أبي وقاص كان فارس القادسية وقائدها، والذي كتب الله النصر على يديه للمسلمين على أعداء الله.
ثم قال الرسول: (ولكن البائس سعد بن خولة، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة) والرسول حزن له؛ لأنه أدرك الوفاة بمكة وهو من المهاجرين، وكان يحب أن يموت في المدينة؛ لأن المهاجرين كان مهاجرهم المدينة ولا يرجعون منها أبداً، وما ورد من أن الصحابة خرجوا من المدينة، فذلك صحيح لكنهم خرجوا في الأمصار وساحوا فيها، وما رجعوا إلى مكة وأقاموا فيها؛ فلذلك انظر إلى هذا الحزن وإلى هذا التغير لأمر الدين ولأمر الآخرة.