نختم بأمور فيها شيء من التنبيه، وإن كان كل ما مضى فيه تنبيه للطلاب وللآباء والأمهات أن يكون اعتناؤهم باختبار الآخرة الأعظم، الاختبار الذي فيه المواقف العظمى الخطيرة: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]، فإذا الطلاب عند أول الاختبارات منهم من يرتعد ويرتجف، لكن الأمر لا يعدو ضربات من القلب، وقد تجد قليلاً من قطرات العرق تتصبب، ومنهم من لا يلقي لذلك بالاً.
أما هناك فهو الخوف الأعظم فنتنبه لذلك، وأما الطلاب فينبغي أن يعلموا أموراً: الأمر الأول: أن الأخذ بالأسباب من دين الله سبحانه وتعالى: فينبغي أن يشمروا عن ساعد الجد، ويذاكروا ويراجعوا، ويسألوا، ويسترجعوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أما أن يقول: الله سبحانه وتعالى الميسر والمسهل.
فنقول: نعم هو ميسر ومسهل، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب.
الأمر الثاني: إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده إذا ظن أنه أحفظ الحافظين، وأذكى الأذكياء، وأفطن الفطناء، فهنا يخشى عليه أن يقع، وكم رأينا ممن حصل وجد ثم لم يستعن بالله ولم يقل: يا رب، فربما حرمه الله سبحانه وتعالى التوفيق؛ لأجل نسيانه الاعتماد على الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن ينتبه لذلك.
الأمر الثالث: كثرة التقرب من الله سبحانه وتعالى: أليس من طبيعة الإنسان إذا داهمته الشدة أن يزداد صلة ً ورجوعاً إلى سبحانه وتعالى؟
صلى الله عليه وسلم نعم؛ لأنه إذا رجع إلى الله سبحانه وتعالى، يسأل ويرجو أن يكون بقربه مهيئاً لأن يوفقه الله جل وعلا، ولكن لا يكون كحال بعض الناس، إذا جاءت الاختبارات ملئت المساجد، فأصبحت الأمور على خير كثير، ثم إذا انتهى الأمر، وتحقق المقصد، انقلب على وجهه، وترك طاعة ربه.
وهناك نوع آخر: وهو نوع خطير عند الطلاب، بعضهم يقلل من الطاعات، إذا كان يصلي النوافل عادةً، ويذكر الله ويسبح، فإنه يتركها ويقول: الآن اختبارات، حدك حد الفرض، والفرض يحتاج إلى مقياس من السرعة حتى تنتهي من الصلاة بسرعة، فهذا يحرم نفسه، وكلما فرط في ذلك كان حرماناً له.
ثم كذلك ينبغي للإنسان أن يستحضر السكينة والطمأنينة عند اختباره؛ لأن التوتر ومزيد الانفعال يفقد الطالب التركيز والقدرة على الإجابة؛ ولذلك بعض الطلاب إذا أخذ أوراق الأسئلة يقرأها من الأخير ومن الوسط، فلا يعرف ماذا قرأ، ولا كيف يجيب، ينبغي أن يكون آخذاً الأمر بهدوء وسكينه وطمأنينة حتى يعينه الله سبحانه وتعالى على ذلك.
وفوق ذلك كله: أن يعلم أن هذا الاختبار إنما هو أمر يسير ينبغي أن يجعل في نيته أنه يستعين به على طاعة الله، وعلى الأخذ بالأسباب التي تعينه على أن يخدم دينه وأمته، حتى يكتب له الأجر، ويوفق إن شاء الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا في اختبار الآخرة، وأن يجعلنا من المتهيئين له، وأن يجعلنا من الفائزين والناجحين فيه.
اللهم اختم لنا بالصالحات، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، اللهم لا تفضحنا على رءوس الأشهاد، اللهم كما سترت علينا ذنوبنا في الدنيا فاسترها علينا في الآخرة واغفرها لنا يا أرحم الراحمين، اللهم يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، يا جبار السماوات والأرض، نسألك اللهم أن تتغمدنا برحمتك، وأن تحفظنا برعايتك، وأن تكلأنا بعينك التي لا تنام.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم أعذنا من شرور أنفسنا، وآت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكها، أنت وليها ومولاها، اللهم وفقنا ووفق آباءنا وأمهاتنا وبناتنا وأبنائنا إلى ما تحب وترضى يا أرحم الراحمين، واصرف عنا ما لا تحب وترضى يا أكرم الأكرمين.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.