ثم يأتينا اليوم كما أتانا من قبل من يقول: إن هذه المخيمات تفرخ الإرهاب وتنتج القتل والتدمير! ويقول لنا: إنها تمثل أحادية الرأي وتسلط الفكر وقهر الآخر، وتجعل الناس يقطبون وجوههم ويعبسونها فلا تكاد ترى فيها ابتسامة ولا تسمع كلمة طيبة.
وأجزم جزماً أن واحداً من هؤلاء لم يدخل مثل هذه المخيمات ولم يعرف برامجها، وقد قرأت اليوم نصوصاً من صحافة اليوم تحدثنا عن بعض هذه الصور مقرونة بجانب آخر وهو جانب التعليم والمدارس.
فهذا كاتب يقول عن بعض البرامج التي قدمت في المدارس لكي تكون فيها مواطن عظة وعبرة وفيها صور أخرى لم يذكرها من مواطن الترفيه والتنشيط؛ فيذكر لنا ويقول في سياق النشاط الذي يقدم في المدارس ناهيك عن تلك الأفلام التي تعرض في مدارس البنات أيضاً، وفيها تصوير لمجازر ومشاهد الذبح والقتل والدمار وأفظع الجرائم التي ارتكبت في البوسنة والهرسك والشيشان، ثم يعلق مباشرة ويقول: ألا تؤدي تلك المشاهد إلى تكريس الكراهية للآخر في نفوس النشء ودون تمييز؟! ثم يقول: لأنه لا يقابلها ثقافة إيجابية توفر لهم معرفة حقيقية بالآخر! يرى أن تعريف أبنائنا بجرائم الأعداء وضرب أمثلة اجتمعت البشرية كلها -إذا صح التعبير- على إنكارها؛ غير ملائم ولا مناسب.
ثم يقول: إنه تذكر أيام كان طالباً في المدرسة، يقول: وكانت لدينا جمعيات مختلفة: جمعية للعلوم وجمعية للرياضيات وجمعية للتوعية الإسلامية، ثم يخبرنا عن هذه الجمعيات فيقول: كانت مجرد أسماء وكانت تتعرض للعطل وتتوقف عن العمل، وكأنها آلة ليس لها إلا هيكل من الخارج ولا محرك لها من الداخل.
ثم ينتقل إلى جمعية التوعية الإسلامية فيقول عنها: كانت شديدة النشاط قوية الهمة تنظم المخيمات وتقيم المحاضرات، وتلقي الخطب وتوزع الأشرطة كما كانت تتخذ لها مقراً داخل المدرسة.
وكأنه بهذه المقارنة يدين نفسه لكنه يستدرك ويقول: كنت أمر بجانب هذا المقر وأرى فيه من الداخل صخوراً وصوراً توحي بأنك في كهف مظلم وإضاءة خافتة! ويقول: إني لم أدخل هذا المكان؛ لأنه كان يعبر عن شيء من الخوف والرهبة! لست أدري ماذا يقول هؤلاء وما الذي يريدونه لأبنائنا إذا كان هذا تفكيرهم وتصويرهم الذي لا أعتقد أنه مبالغ فيه فحسب، بل أعتقد أنه مجانب للحقيقة، فأي مقر لنشاط مدرسي فيه صخور وظلمة وفيه مثل هذا الذي يصور ويقال؟! وهكذا نجد مثل هذا في كتابة أخرى تصور لنا صراع الأجيال، وتصوروا أن هذا الوصف الذي يكتب في صحافتنا يبين فيها اختلاف الأب عن جيل جديد من الأبناء سماه هو: جيل (استر أكادم) وجيل الفضائيات، وجيل الإنترنت، وجيل ثالث هو الجيل المفكر فكراً انحرافياً حداثياً انكسر من قبل، ويزعم ويقول: إن في كل بيت من بيوتنا هذه الأصناف الثلاثة.
وأجزم بأنه مخطئ قطعاً وأن الوجود الذي يصفه وجود محدود لو شئنا أن نبحث لوجدنا النسب تشهد بغير ذلك.
يقول في وصفه للأب: سنجد في البيت أباً متديناً يلبس الثياب القصيرة ويصلي الصلوات كلها في المسجد وله المرجعية الدينية التي يتعامل معها ومع أحاديثها على منزلة التقديس؛ محافظاً على كل ما تشير به هذه المرجعيات من القيم والالتزامات الدينية والخلقية.
إنه في هذا الوصف يعطينا وصفاً لا نرى فيها عجباً، بل نراه هو الوصف الطبعي، وكما قلت من قبل: لم لا يكون المسلم متبعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟! ولم لا يكون معظماً ومقدراً لعلماء الأمة ومستمعاً ومصغياً إليهم؟! ويقولون لنا: إن الإرهاب سببه عدم شيوع العلم وعدم الاستماع إلى العلماء! ولم لا يكون الإنسان مصلياً كل صلواته في المسجد، وهل بنيت المساجد لغير ذلك؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم -كما روى مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه- في صفة المسلم أنه يلبي الصلوات حيث ينادى بهن؟! أي: في المساجد، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم كما صح من حديث أبي هريرة (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة في المساجد فأحرق عليهم بيوتهم؟).
ألم يكن من دلائل النفاق -كما نص على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- عدم الحرص على أداء الصلوات في الجماعة؟! ألم يقل الصحابة: كان لا يتخلف عنها -أي: العشاء والفجر- إلا منافق معلوم النفاق؟! فيصور هذا على أنه مدرسة قديمة، ثم يصور لنا جيلاً جديداً ووصف لنا شعره ووصف لنا لباسه، ووصف لنا تعقله، ثم يأتينا بالحكم، وتأملوا هذا الحكم بنصه كما نشر؛ يقول: الذي سينتصر حتماً جيل التكنولوجيا والاتصالات، وهو القادم والآخران مدبران، وهو الآتي ومعه مفاتيح الزمن ومعطياته.
ويصور لنا أن كل متدين ملتزم لا يعرف الكمبيوتر والحاسب الآلي ولا يعرف العلوم الحديثة، ويعيش في العصور الوسطى ويعيش في الكهف الذي صوره لنا في مدرسته كما يزعم.
والواقع يشهد بخلاف ذلك، فدورات القرآن اليوم تدرس الحاسوب، ومخيمات الدعوة تقدم الدورات التدريبية والعلمية الحديثة، وتشهد بكذب هذه الادعاءات وزورها وأنها إنما تعبر عن خيالات وأوهام في رءوس أصحابها، أو عن مرض في نفوسهم وقلوبهم، أو عن عمالة! ولا ندخل في نياتهم، لكن واقعنا يشهد بغير ما يطرحونه وما يصورونه.
وهنا ينبغي لنا أن نقف هذه الوقفة المهمة ونحن على أبواب الصيف، إما الإهدار وإما الاستثمار؛ فثمة أوقات كثيرة وطاقات عديدة وبرامج متنوعة وصور للاستثمار ينبغي أن يحرص عليها، أسأل الله جل وعلا أن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد وأن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يحفظ علينا وعلى أبنائنا وبناتنا الأوقات والطاقات، وأن يسخرها في الطاعات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.