الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من التقوى بشكل عام اغتنام الأوقات وعمرانها بالطاعات، والحذر من الغفلة، والإسراف في الشهوات.
وهنا أستحضر بعض أمثلة العرب ومن أشهرها فيما يتعلق بموضوعنا: (الصيف ضيعت اللبن)! قد نقف بعد عدة أشهر وقد انتهى الصيف وقد يقول بعضنا لنفسه: (الصيف ضيعت اللبن)! أي: ينقضي الوقت ويمر على الأبناء والبنات والآباء والأمهات والمجتمع، ونرى ما نراه في كل عام من سهر حتى انشقاق الفجر، ونوم حتى انتصاف النهار، وتبديد للطاقات بلا فائدة ولا نفع، ونصدق أيضاً عندما نجد بعض الأمور المؤلمة من الحوادث المرورية أو من الجنايات الأخلاقية، ونشكو منها عموماً وفي الصيف خصوصاً، وأقول حينئذ: يداك أوكتا وفوك نفخ، فأنت الذي أسهمت في هذا وكنت عاملاً من عوامله.
فينبغي لنا ونحن في هذه الأوقات قبل بدء الإجازات أن نحزم أمرنا وأن نرتب أوقاتنا وأن نجتمع بأبنائنا وبناتنا، وأن نفتح لهم القنوات، وأن نحثهم على النشاطات، وأن نجعل بيوتنا وكأنها مخيمات أو مراكز صيفية، ولنجعل بعض المسابقات بين الأبناء والبنات، ولنجعل بعض البرامج الترفيهية؛ لئلا تستولي عليهم القنوات والتجمعات وغير ذلك من الأمور التي تعلمونها وتعرفونها.
وكما قلت: نسبة الإهدار عظيمة وعظيمة جداً، ولعلي أحث مرة أخرى على أن نتبنى جميعاً في هذا الصيف برامج تتعلق بتربية أبنائنا على تعظيم وتقديس القرآن من جهة، وعلى خدمته ونشره والدعوة إليه من جهة أخرى، ويكفي أن أقول لكم: إن بلاداً مسلمة عربية فضلاً عن غيرها من البلاد الإسلامية لا يوجد لكل مسلم فيها مصحف، بل إن في بعض بلادنا العربية يمزق المصحف تمزيقاً حتى يوزع بين عدد من الأسر؛ لأنه لا توجد أعداد كافية من المصاحف، وقد يكون في بيوتنا فائض يمكن أن نوجهه إلى من ليس عندهم أو إلى من يحتاجون إلى ذلك.
خذ وفكر في أي مجال نحول هذا السلوك الذي نستنكره بقلوبنا ونصيح فيه ونجعجع حوله بألسنتنا ولكننا لا ننشئ شيئاً مقابلاً وتياراً معاكساً، ويكفي أن أقول: إنما حدث من هذه الأحداث ينبغي أن يشكل برنامجاً عملياً لكل فرد في الأمة لنصرة القرآن من الناحية العملية في نفسه وسلوكه وأسرته، وفيما يقدمه لمجتمعه، فنحن أحياناً نزيد الصراخ ونزيد البكاء، لكننا في كثير من الأوقات لا نجيد العمل، فلماذا لا نتحول إلى العمل الذي نواجه به قصور أنفسنا وانحراف مجتمعاتنا وتفريط أبنائنا، وتغير أفكارنا، وشيئاً من شذوذ نفسياتنا.
كل ذلك نحن في حاجة إليه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلا وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.
اللهم تولَّ أمرنا وارحم ضعفنا واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، اللهم أنزل علينا من رحماتك وأفض علينا البركات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آت وبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك أن تحفظنا وأبناءنا وبناتنا بالإسلام قائمين، وأن تحفظنا بالإسلام قاعدين، وأن تحسن ختامنا، وأن تجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن تجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
اللهم أنطق ألسنتنا بذكرك، واملأ قلوبنا بحبك، وسخر جوارحنا لطاعتك، واستخدمنا في نصرة دينك.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحضه عليه يا سميع الدعاء! اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ لها أمنها وإيمانها وسلمها وإسلامها وسعة عيشها ورغد رزقها يا رب العالمين! اللهم عليك بسائر أعداء الإسلام والمسلمين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً؛ أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
اللهم رحمتك ولطفك بإخواننا المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين في كل مكان يا رب العالمين؛ اللهم امسح عبرتهم وسكن لوعتهم وفرج همهم ونفس كربهم وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم وزد إيمانهم، وعظم يقينهم واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعل ذلك فتنة لهم في الدين.
اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية، يا سميع الدعاء! اللهم أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.