إن قضايا النصر لا تبدو في صورها المادية النهائية، بل هي في الحقيقة متدرجة، تبدأ بالقلق والخوف، ثم تمر بالحيرة والاضطراب، ثم تنتهي إلى الخور والاستسلام، وتلك المراحل هي التي تمر بها كل معركة ومواجهة.
ولننظر إلى حالهم وواقعهم، ولننظر إلى الحقائق والأرقام، وقد سئل بعض اليهود فأجاب بما لا يجيب به بعض أبنائنا من العرب والمسلمين؛ حيث قيل له: ولكنكم تقتلون منهم أكثر مما يقتلون منكم، فقال: إن الأعداد في مثل هذه المواجهة غير موضوعية، لقد قتل من الأمريكان خمسون ألفاً وقتلوا من الفيتناميين ثلاثة ملايين، وخرجوا خاسرين، وقتل من الفرنسيين بضعة آلاف وكان شهداء الجزائر نحو مليون، ولكنهم كانوا منتصرين.
وهكذا فإن القضية ليست قضية الأعداد والأرقام، ولكنها قضية القوة المعنوية والثبات، وما يوجد من طمأنينة تراها رغم كل هذا الهول في نفوس إخواننا الذين تركوا تعلقهم بالناس وربطوا حبالهم برب الناس، إنهم لم يعودوا ينتظرون اليوم منا حتى دعماً مادياً، وقد انقطع ذلك إلا ما رحم الله.
ولم يعودوا ينتظرون منا اليوم دعماً سياسياً، ولم تعد هناك إلا البيانات والبيانات، فلم يعودوا ينتظرون أن يقف أحد إلى جوارهم في خندقهم.
ولذلك ننظر إلى هذه المعاني، وننظر إلى قادة كبار عند الأعداء وهم يقرون بأن المعضلة كبيرة.