مواقف شتى في هذا الفتح الأعظم، ولعل أول موقف نشير إليه إشارة سريعة لأنه سابق لهذا الفتح بوقت غير قصير، لكنه مرتبط به وممهد له، ذلك هو أن سبب فتح مكة هو الإخلال من قريش بعهد صلح الحديبية، وصلح الحديبية وضعت فيه الحرب أوزارها بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش عشرة أعوام، وكان سلماً وهدنة، وهنا لمحة مهمة في جوانب كثيرة، لكننا نختصرها في أن القتال والجهاد بحد ذاته ليس هو الغاية في الإسلام، وإنما هو وسيلة لتحصيل المقصد الأعظم والغاية الكبرى، وهي نشر الإسلام وتبليغ دعوته وإقامة الحجة على الخلق ببلاغه، فإن تم ذلك بغير جهاد فبها ونعمت، وإن صد الكفار وأعرض المعرضون واعتدى المعتدون فإن الجهاد وسيلة من وسائل كسر ذلك الطوق وإزالة تلك العوائق، ومنع الذين يصدون عن سبيل الله من الحيلولة بين الناس وبين الاستماع إلى دين الله ومعرفة شرع الله سبحانه وتعالى ودينه.
ولعلنا نشير هنا إلى أن الذين دخلوا في الإسلام ما بين الحديبية وفتح مكة -أي: ما بين ذي القعدة من العام السادس إلى رمضان من العام الثامن- كانت عدتهم أكثر من الذين أسلموا قبل ذلك في الأعوام كلها كما هو معلوم في أحداث السيرة، حيث كان الذين جاءوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة في الحديبية أربع عشرة مائة، أي ألفاً وأربعمائة، والذين قدموا معه إلى فتح مكة كانوا عشرة آلاف.
وإننا نعلم كذلك أن أجلاء من كبار الصحابة رضوان الله عليهم كان إسلامهم فيما بين الحديبية وفتح مكة، من أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم من أجلاء الصحابة رضوان الله عليهم.