الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تضاعف الحسنات، وبعفوه تمحى السيئات، له الحمد جل وعلا يسمع من حمده، ويعطي من سأله، ويزيد من شكره، ويطمئن من ذكره، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً يوافي فضله وإنعامه، وينيلنا رحمته ورضوانه، ويقينا سخطه وعذابه، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فنسأل الله عز وجل أن يتقبلنا في عباده الصالحين، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدورنا لطاعته ومرضاته، وأن يقبل بنا على الطاعات والعبادات دائماً وأبداً في سائر الأيام والليالي؛ إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
وحديثنا عن (الفتح مواقف ومعالم) لأننا في هذا التاريخ نستذكر الفتح الأعظم الذي من الله به على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم أن فتح مكة في العام الثامن من الهجرة النبوية الشريفة في شهر رمضان المبارك، وفي اليوم الثامن كان مبدأ مثل هذا الحدث العظيم.
والحق أننا لا نريد أن نمر على تفاصيل هذا الحدث وما جرى فيه من السيرة النبوية العطرة، غير أننا نقف في بعض المواقف التي نستجلي منها معالم الفتح والنصر لأمتنا في عصرنا الحاضر؛ لأن هدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته هي المعلم الدائم الذي نستنير به في ظلمات حياتنا، والذي نرى فيه معالم الطريق إلى مرضاة ربنا، والذي نأخذ منه المنهج الصحيح لمواجهة الأخطار ومقارعة الأعداء في واقع حياتنا، فإن الله جل وعلا قد من علينا بأن جعل القرآن والإسلام ممثلاً تمثيلاً كاملاً عظيماً في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأرشدنا إلى ذلك ووجهنا إليه كما في قوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
وأرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يبين أن كل شيء في حياته للاقتداء فقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال: (خذوا عني مناسككم) وروي عنه: (إنما أنسى لأسن) وغير ذلك كثير.
ونحن اليوم في هذا الواقع الذي تعيشه أمتنا محاطة بأعدائها مخذولة إلى حد كبير من قبل أبنائها، وفيها من التقصير والتفريط إضافة إلى الضعف والهوان ما فيها نحتاج دائماً وأبداً إلى أن نرجع إلى معين السيرة العذب لننهل منه فنروي ظمأ قلوبنا وفهومنا، ونوجه مسيرة حياتنا بإذن الله عز وجل.