وحقيقة الأمر أن هذه الأحوال المعاصرة تقتضي من كل مسلم أن يتنبه ويتيقظ، وأن يحرص على أعظم ما ينبغي أن يحرص عليه، دينه وإيمانه وإسلامه وأخلاقه، وليعتبر كل أحد بالواقع المعاصر، فإننا لا نريد أن نحاجهم بما في الآيات والأحاديث فحسب -وهي حجة قاطعة- ولكنا نقول: خذوا الواقع، خذوا ما دعوتم إليه وما طرحتموه من أفكار، انظروا إلى أمم وديار إسلامية ما حل بها، وانظروا إلى بلاد غير إسلامية ما حل بها.
أليس في بلاد الإسلام من يعد لبس حجاب المرأة المسلمة قانوناً محظوراً ويمنع أن يلبس في المدارس والمعاهد والجامعات؟! أفلسنا ندرك أن قليلاً من الأمور قد يؤدي إلى كثير منها؟! ولسنا بمبالغين في مثل هذه الأمور، حتى يقال: إن سد الذرائع باب أفضى إلى إغلاق كل اجتهاد وتطوير، ولكننا نقول: خذوا ضابط الشرع، فما خرج عن الشرع فاعلموا أنه ستكون له آثار غير حميدة، والله عز وجل قد بين لنا ذلك، وبين في شطر آية شقاء الدنيا كلها: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41].
تلك هي الحقائق التي ينبغي أن نتنبه لها، لا سيما ونحن نستقبل الموسم الأعظم الذي يبين هوية الأمة في فريضة الحج العظيمة، ونرى القادمين من بلاد شتى، وأعراق مختلفة، وألوان متباينة، ولغات ليست واحدة، ومع ذلك ما الذي يجيء بهم؟ وما الذي يجمعهم؟ وما الذي يجعل كل أفعالهم تصب في إطار واحد، وفي بقعة واحدة، وعلى هيئة واحدة، في أقوال وكلمات واحدة؟ إنها صبغة الإسلام، فهل هناك قوة أو معنى أو مبدأ ممكن أن يذيب كل الفوارق المختلفة، ويأتي إلى هذه البقاع المقدسة بكل جنس ولون؟! كثير من الناس كانت دياناتهم وديانات آبائهم ليست هي الإسلام، ما الذي جاء بهم؟! إنها قوة الحق في هذا الإيمان، وصفاء المنهج في هذا الإسلام، وصلاحية الشريعة التي تمثلت في آيات القرآن، إنها القوة التي ليس لها مثيل في هذا العالم اليوم، ولن يكون لها مثيل مطلقاً.
فنسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يعلمنا ويبصرنا بكتاب ربنا، وأن يلزمنا سنة نبينا، وأن يجعلنا لآثار الصالحين مقتفين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ينفعنا ويرفعنا يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبيلاً لمن اهتدى، اللهم تول أمرنا، وارحمنا ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبعك رضاك يا رب العالمين! اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واصرف عنا ما لا تحب وترضى.
اللهم احفظ بلاد الحرمين الشريفين من كل سوء، اللهم اجعلها بلد الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والهداية والاستقامة، ورغد العيش ورخائه يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن ترد عنا كيد الكائدين، وشرور المعتدين، وأن تحفظ بلاد الإسلام والمسلمين من كل سوء وضر وعدوان يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن توفقنا لطاعتك ومرضاتك، وأن تجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.