الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! إن صبغتنا الإسلامية قضية أساسية مرتبطة بإيماننا وعقيدتنا، وثقافتنا وفكرنا، وتاريخنا وحضارتنا: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138].
ينبغي أن ندرك أن الاختلاف سنة من سنن الحياة كلها، فلن يأتي يوم يكون الأخ فيه مطابقاً لأخيه في كل شيء، لكن الاختلاف تختلف أنواعه، فهناك اختلاف تنوع داخل دائرة واحدة، وقد يكون لنا اختلاف في اجتهاد أو رأي في الدائرة المشروعة السائغة، ولا يعني ذلك أننا قد خرجنا من هذه الدائرة، ولذلك لابد أن نتميز عن غيرنا ممن ليسوا في دائرتنا، والله عز وجل قد بين ذلك في آيات كثيرة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153].
إذاً: هناك طرق، وهناك ديانات ومناهج، فإذا أخذنا طريقنا فإننا لن نسير في طريق غيره، وذلك يعني أننا نخالف غيرنا، وليس من ضرورة الخلاف أننا نحارب غيرنا دائماً وأبداً، ولكننا نحارب من يحاربنا، ونحارب من يضع الطريق والعراقيل في طريقنا، وفي طريق بيان ديننا وحقائقه، وذلك أمر بين واضح، وتأتينا آيات كثيرة في هذا المعنى كقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256].
إننا إذا لم نعرف أن هذا الذي عندنا هو الحق، وأننا نؤمن به بناء على يقين قلبي، ومعرفة عقلية علمية، واستقراء تاريخي طبيعي، فإننا حينئذ لن ندرك أن غيره مخالف له، وهذا أمر مهم، والله عز وجل يقول فيما يتعلق باتباع رسوله عليه الصلاة والسلام: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
إننا لابد أن ندرك أن قضية الالتزام الإسلامي قضية عقدية، ونستيقن في نفوسنا أن خلاصنا ونجاتنا، وأن ضبط أحوالنا وصلاحها، وحسن علائقنا بغيرنا، تكمن في انطلاقنا من ديننا وارتباطنا به، ومن هنا فإنني أقول: إن كثيراً من القضايا التي تطرح وتثار ما لم تكن لها مرجعية حاكمة في أصولها الجامعة وإطارها العام، فإن ذلك يعني أن الفوضى ستكون هي المثار، ومن هنا ينبغي لنا أن نستحضر أهمية التوسط والاعتدال، فلا نصم آذاننا عن السماع؛ حتى نعرف ما يقال، ونوجه بالحكمة والموعظة الحسنة والنصيحة دون تنابز بالألقاب، ودون تبادل للاتهامات، وفي المقابل لا ينبغي لنا أن نغفل عن خطورة هذه الموضوعات، وأن تموت غيرة النفوس، فخذ المنهج السليم، وخذ الحكمة البالغة، وخذ الطريق الذي يغلب على ظنك أنه يوصل إلى المقصود.