أولاً: الحرص على تلقين الطلاب: فينبغي للمدرس ألا يجعل الطالب يحفظ إلا بعد أن يتلقى منه ويسمع جزءه منه، وذلك على سبيل الدوام بقدر الاستطاعة، ولا يكون المدرس متهاوناً في ذلك فيسري هذا التهاون إلى الطالب، فيظن نفسه أنه قد أجاد وأفاد، فينطلق ليحفظ حفظاً خاطئاً.
ثانياً: حسن التوزيع والترتيب في الوقت: فبعض المدرسين ينشغل بالطالب الأول حتى يمضي نصف الوقت، ثم يمضي النصف الثاني من الوقت مع العشرين الباقين!! وهذا أمر فيه تخليط، إذ ينبغي له أن يحسن التوزيع بين التسميع وبين التلقين وبين توزيع الحلقة في المراجعة؛ حتى يستطيع أن يفيد الطلاب، وأن يحقق الغاية التي ترجى إن شاء الله تعالى.
ثالثاً: التدقيق في الحفظ والمراجعة: فلا ترخّص ولا تتساهل، سيما في الحفظ الجديد كما ذكرنا، إذ لابد أن تحرص على إتقان الطالب وتمكنه من حفظه بأكمل وأتم صورة يستطيعها؛ حتى يضمن له أساساً صحيحاً يمكن البناء عليه، وكذلك المراجعة لا تدعه يفرط ويكسل في هذا الجانب.
رابعاً: البذل للمقبلين: فإن بعض الطلبة أصحاب همم عالية، وأصحاب إمكانات حباهم الله عز وجل إياها، فلا تقتصر -أخي المدرس- على الوقت المقرر، فإذا جاء هذا وقد حفظ نصف جزء أو خمس صفحات أو غير ذلك قلت له: إلى يوم غد إن شاء الله، ويأتي الغد فيضيق الوقت فإلى بعد غد، فكلما تحمّس الطالب ثبّطته، وكلما انطلق أعقته، وكلما زاد نقصته، فكنت سبباً في عدم اندفاعه.
فينبغي إذا كان صاحب همة إن أراد بالليل فبالليل، وإن أراد بالنهار فبالنهار، وإن أراد بعد الفجر فلا بأس، وإن أراد قبله فلا شيء في ذلك.
وخشية الإطالة فإني قد أعرضت عن ذكر بعض ما ورد من التراجم، ومن ذلك: أن أحدهم قد مضى إلى قارئ دمشق يقرأ القرآن عليه، قال: فخرجت مع الأذان الأول -أي: قبل الفجر- حتى أسبق إلى الحلقة، فجئت فإذا قبلي ثلاثون! فمتى جاء هؤلاء الثلاثون؟! فتأمل وتدبر.
خامساً: حسن المعاملة للطلبة وترغيبهم: فلا تكن منفّراً، ولا تكن أيضاًَ مرخصاً، فالأمر الوسط هو الأمر الحسن.
سادساً: أن تكون ذا فطنة تستطيع أن تحوز في الوقت القليل وبالجهد القليل أكبر قدر من الفائدة: على سبيل المثال في أمر المراجعة: لك أن تقسم الطلبة إلى اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة، وتجعل ذلك التقسيم غير ثابت، بل ينبغي أن يتغير بين يوم وآخر، أو بين بضعة أيام وأخرى، حتى لا يكون هذان الطالبان يلازم أحدهما الآخر للمراجعة، والمدرس بعد تسميع كل طالب يرجع إلى صاحبه فيبدآن في حصة المراجعة، والمدرس يمر في أقل من خمس دقائق على الجميع فيرى ويسمع ويعرف إن كان الأمر يسير سيراً حسناً أم لا، ثم يغير الطلبة حتى لا يرخص أحدهم لزميله، أو يتجاوز الأول للثاني، فكل مرة يغير هذا مع هذا وذاك مع هذا؛ حتى يستطيع -إن شاء الله- أن يضبط الطلاب جميعاً.
ولا شك أن هناك أموراً ووصايا كثيرة مذكورة في مواضعها، من التزام الآداب، وإخلاص النية، والحذر من كراهة قراءة أصحابه على غيره، كما يقول النووي رحمة الله عليه: كما يقع من بعض المعلمين الجاهلين، أن يحب أن طلابه لا ينتفعون إلا به، فإذا كان عند غيره في القرآن انتفاع أو مزيد علم أو إحكام وتجويد فأخذ بعض طلابه من هذا الشيخ أو من هذا المدرس فائدة غضب لذلك واستشاط، وزجر ووعد وتهدد، فهذا لا شك أنه غير لائق به.