كان عمر ينظر أيضاً إلى أمور عجيبة دقيقة، فقد كتب إلى عمرو بن العاص واستدعاه هو وجماعته من أهل مصر، فلما جاء قال عمر رضي الله عنه: (إن مصر بلد كثيرة الخير والطعام، ولقد ألقي في روعي الرفق بأهل الحرمين والتوسيع عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم، ورأيت أن أحفر خليجاً من نيلها حتى يسيل في البحر؛ فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فاذهب يا عمرو! وشاور أصحابك)، يريد أن يفتح القناة بين النيل والبحر الأحمر؛ ليسهل الطريق، فذهب عمرو إلى أهل مصر يستشيرهم فخاف أهل مصر أن يضر ذلك بنيلهم وبشربهم وبزراعتهم، فقالوا: نخشى ذلك، فعظم الأمر على أمير المؤمنين يا عمرو! يعني: اجعله عظيماً وخطيراً حتى يصرف النظر عنه، فجاء عمرو إلى عمر رضي الله عنه يعظم له الأمر، ويهوله عليه، فقال عمر -وله فراسة-: (كأني بك يا عمرو! ذهبت إلى أهل مصر فقالوا: نخشى على مائنا وزرعنا، فعظم الأمر لأمير المؤمنين، قال: والله إنه لكما قلت يا أمير المؤمنين! قال عمر: فامض لما أمرتك فاحفر الخليج، فلا يأتين قابل إلا وقد فرغت منه)، فكان كما كان، فما أتى عام إلا وقد جرت السفن فيما بين النيل والبحر الأحمر كما ذكر أهل التاريخ والسير.
وهكذا كان عمر رضي الله عنه يجهد للأمة، فدون الدواوين، وأنشأ النظم الإدارية الحديثة، ورعى الأمة بسياسة حكيمة، فعم الرخاء والنوال، وهكذا يكون كل من سار على منهج الإسلام، والتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ورأى العدالة والحرية والمساواة وأخذ بالشورى كما كان عمر رضي الله عنه.
فالله نسأل أن يجدد في أمتنا سيرة عمر رضي الله عنه، وأن ينهج بنا نهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.