ثم من معالم التنمية العمرية إعمار المدن وتخطيطها، فليس الإسلام -كما يظن البعض- دردشة أو تخلفاً، رأى عمر رضي الله عنه هذه البلاد وهي تفتح والناس وهم يصيحون في الأرض، فرأى أن يمصر الأمصار، وأن يقيم البلاد، فأنشأ البصرة والكوفة والفسطاط وغيرها من البلاد.
وكان عمر رضي الله عنه يكتب في دقيق الأمور وجليلها، ويفصل في صغيرها وكبيرها، كتب عمر إلى سعد بأن يدعو صاحب التنزيل -وصاحب التنزيل بمثابة رئيس المهندسين الذي يخطط- فيأمره أن يحدد لهم خطط المدينة، وأن يجعل فيها مناهج -أي: شوارع كبيرة، وهي الشوارع الرئيسة كما تسمى اليوم- بعرض أربعين ذراعاً، وما يليها ثلاثين -أي: الشوارع التي أقل منها- وما يليها عشرين وأن يجعل فيها أزقة -وهي: الطرق الصغيرة- عرضها سبعة أذرع ليس دون ذلك شيء.
فقام بهذا العمل، وأسست على ذلك المدن، ثم أيضاً بنوا هذه البيوت بالقصب، ثم جاء الحريق فأحرقها، فاستأذنوا عمر أن يبنوا باللبن، وكان عمر المستشار في كل أمر من أمور الأمة في كل مكان، فكتب إليهم أنه لا بأس بذلك، وكتب إليهم يبين أنه ينبغي ألا يؤدي الأمر إلى الإتراف والركون إلى الدنيا، فقال: (لا يزيد أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطيلوا في البنيان، والزموا السنة تلزمكم الدولة، وابنوا ما لا يقربكم من الترف، ولا يخرجكم من القصد).