أقول: قد أشار بعض الصحابة إلى ذلك، فرأى ابن مسعود رجلاً مطأطأً رقبته فقال: (يا صاحب الرقبة! ارفع رقبتك فإن الخشوع خشوع القلب).
ليست القضية هي هذه المظاهر التي في صدقها خير كثير بإذن الله عز وجل، لكنها في بعض الأحوال تكون من مداخل الشيطان.
ورأت عائشة رضي الله عنها فتية يمشون مشية ضعيفة وقد انحنت رءوسهم، فقالت: (من هؤلاء؟ قالوا: قوم عباد نساك، قالت: رحم الله عمر كان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وكان هو والله الناسك حقاً).
وأذكر ثلاثة آثار أراها من أعظم الآثار ذات التمييز والتمحيص، والتي يظهر أثرها فيمن يشهدها، ويكون لها فعلها في الناس: نحن نعلم أن أعظم شيء تنخلع له القلوب، وترتعد له الفرائص، وترتجف منه الأوصال، وتقشعر منه الجلود؛ هو الموت والخوف على الحياة، هذا أكثر ما يجعل الإنسان مضطرباً خائفاً حائراً زائغاً، فإذا جاء الإيمان الحق فإن من أعظم آثاره التحرر من الخوف على الحياة.
كم تحول الناس عن مقتضيات إيمانهم، وتحولوا عن مستلزمات إسلامهم، وغيروا مبادئهم، وباعوا دينهم خوفاً على هذه الرقبة أن تنفصل عن الجسد، وخوفاً على الحياة وتشبثاً بها، ولذلك قد ذم الله عز وجل اليهود بهذا الذم القبيح في وصفهم المستحقين له، قال في حقهم: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96].
يحرصون على الحياة وإن باعوا المبادئ، وإن داسوا على الإيمان، وإن تخلوا عن المعتقد، المهم أن يحيا وأن يعيش.
أما المؤمن فمن أعظم آثار إيمانه أنه إذا وضعت حياته في كفة وإيمانه في كفة ضحى بالحياة في سبيل الله، ورأى أنه ينبغي أن يستبقي إيمانه بالله وإن ذهبت في سبيله الحياة، فهذا يمحص الناس ويفرق بينهم، قد نتزاحم في المساجد وقت الرخاء قد نفعل ما نفعل من أعمال البر والخير؛ لأنها ميسورة، أما إذا جاء الأمر متعلقاً بالروح والموت، والاستشهاد في سبيل الله، أو تقديم الروح افتداء لدين الله عز وجل؛ فهنا يتردد المترددون، وينكث الناكثون، ويتخاذل الضعفاء.