فما بالنا نفر منه لا إليه؟! ما بالنا نعرض عنه هنا وهناك؟! ما بالنا نذهب يمنة ويسرة؟! ما بالنا نتخبط في الدنيا، نريد من هذا مالاً، ونريد من هذا سنداً، ونريد من هذا حماية، وكأننا نسينا رب الأرباب، وملك الملوك، وجبار السماوات والأرض؟ إنها مسألة مهمة، إنه لا بد لنا أن نتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه رضوان الله عليهم، تأملوا الدعوات التي نكررها أحياناً مما حفظنا من دعوات المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
تأمل هذه الكلمات لتشعر أنك محاط بكل ما يذكرك بالله إن كان قلبك حياً بالإيمان بالله: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)، إن خفت سخط الله ففر إلى رضاه، (وبمعافاتك من عقوبتك)، إن خفت العقوبة فاطلب العفو منه، فهو سبحانه وتعالى العفو الكريم، وعذ به منه سبحانه وتعالى؛ فإنه لا منجى ولا ملجأ لك منه إلا إليه سبحانه وتعالى.
تلك كلمات نطق بها الإيمان واليقين على لسان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزمر:38] من ذا الذي يملك لك من الله شيئاً؟! من ذا الذي يمكن أن يعطيك شيئاً لم يكتبه الله لك، أو أن يمنع شيئاً قد كتبه الله لك؟! تلك الوصية التي قالها النبي لغلام صغير؛ لأن القلوب كانت مؤمنة، والنفوس كانت حية: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
إن لم يكن أحد يقدم أجلاً ولا يؤخر، إن لم يكن أحد يقدر رزقاً ولا يقتر، فأي شيء يجعلنا نتعلق بهذه الحياة أو بأولئك الأحياء؟ لم لا يكون التعلق بالله ونحن نودع هذا الشهر في الأيام القلائل، والليالي المعدودات، والزمن المحدود، والثواني التي سوف تنقضي شيئاً فشيئاً!