أحب أن أختم بمسألة مهمة آثرت إرجاءها، وهي ما يتعلق بزواج عائشة رضي الله عنها، فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست سنين، وبنى بها ودخل عليها وهي ابنة تسع سنين، وكان ذلك في العام الثاني للهجرة بعد عودته من غزة بدر، وكما قال بعض الكتاب: لما انتصر رسول الله عليه الصلاة والسلام وأعز الله الإسلام والمسلمين وفرح الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك واطمأنت أقدامه في المدينة، كان الوقت مناسباً أن يبني بـ عائشة رضي الله عنها.
وفي وصف تلك الحالة التي كانت تذكرها عائشة ما كان من شأن تغير الجو على المسلمين المهاجرين من مكة، فإنهم لما جاءوا إلى المدينة استوخموا هواءها وأصابتهم حماها، حتى إن عائشة كانت تدخل على بلال رضي عنه وعلى أبي بكر وبلال يقول من شدة شوقه إلى مكة ومن شدة معاناته لهذا المرض: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي أذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل جبال من جبال مكة.
وأبو بكر كانت تدخل عليه وهو من شدة الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وقد أصاب عائشة رضي الله عنها مرض حتى تساقط شعرها، وكان جميماً، أي: شعرها قليل.
وعند ذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها، وبارك لنا فيها وفي صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها إلى الجحفة) تقول عائشة رضي الله عنها: فلما شفيت أخذت أمي تهيئني للزواج، وكانت أمي تعالجني للسمنة -تريد أن تسمنها بعد أن ضعفت بسبب هذه الحمى- قبل أن تدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما استقام لها ذلك حتى أكلت القثاء بالرطب فسمنت كأحسن سمنة، ثم قالت: جاءتني مرة وأنا ألعب مع صويحباتي فقالت: هاك هاك -يعني: تعالي- فجئت حتى حسنتني حتى أخذت نفسي، ثم جاءت بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: أهلك يا رسول الله.
وذكرت عائشة رضي الله عنها ما كان من وليمة عرسها ومهرها وما كان من سهولة ذلك، قالت: (والله ما ذبح جزوراً ولا شاة، وإنما كان طعام يتعهد به سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء به دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه القوم).
ومن لطائف ما ورد -وبعضه يرد بحديث فيه انقطاع وضعف، وهذه الرواية لها حديث يجبر هذا الضعف- أن بعض النساء من الأنصار كن يزين عائشة رضي الله عنها، وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم لبن فأراد أن يعطيهن فقلن: لا نريد.
فقال: (لا تجمعن جوعاً وكذباً) فقد كن يحببن ذلك اللبن، ولكنهن امتنعن حياءً من الرسول صلى الله عليه وسلم.