هنا الأمر المتعلق بالزواج المبكر الذي يحتقره بعض الناس، ويذكرونه ذكراً فيه ازدراء وانتقاد، وما يعلمون أن في هذا الانتقاد انتقاداً لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: إن الزواج المبكر فيه خير كثير، من هذا الخير بالنسبة للمرأة -على وجه الخصوص- أنه للمرأة عصمة ووقاية من الانحراف والمعاصي، حتى لا يكون هناك مجال للتعرض للفتنة أو الاعتداء عليها أو نحو ذلك.
ثم مصلحة الاستقرار النفسي المبكر، بدلاً من أن يبقى الحال كما هو حال الناس اليو، م تبلغ الفتاة وهي ابنة عشر وتتزوج وهي ابنة ثلاثين، وتبلغ سن اليأس وهي ابنة أربعين، فيكون ما مضى من عمرها في الحرمان أكثر مما مضى في نعمة الزواج والمعاشرة، وهذه الفطرة البشرية لا تكون مستقرة إلا بما يحقق غايتها ورغبتها وفق شرع الله عز وجل، ولذلك نجد اليوم جنوحاً في الأفكار، وشطحاً في العواطف، واختلالاً في التفكير، واضطراباً في المعاملة، كله ناشئ بسبب أن النفس لم تجد بغيتها وحاجتها الغريزية الفطرية في الوقت المناسب، وبالهيئة المناسبة التي شرعها الله عز وجل.
وفي هذا من الفوائد أيضاً تكثير النسل، وتقارب ما بين الأب وأبنائه، فتكثير النسل يمتد مداه طويلاً، كما قال الشافعي: رأيت جدة ولها إحدى وعشرين سنة.
أما الآن فتجد أن عمرها إحدى وعشرون سنة وهي لم تتزوج بعد.
فالجدة التي رآها الشافعي كان لها تسع سنوات فتزوجت وولدت بعد سنة، فكان عمرها عشر سنوات، ثم بعد تسع سنوات تزوجت ابنتها وبعد سنة أخرى ولدت، فكانت الأم قد انتهت من العشرين ودخلت في العام الواحد والعشرين فصارت جدة بذلك، فهذا تكثير للنسل.
وفيه أيضاً أنه يكون هناك قرب بين الأب والأم وبين الأبناء من حيث السن، فلا يكون الفارق كبيراً، فإن الفارق الكبير في بعض الأحيان مؤثر في التربية سلباً، فإنه إذا تزوج وهو كبير يأتي أبناؤه صغاراً، فيكون عنده من العاطفة والشفقة بهم شيء كثير، فيغلب جانب حبهم والعطف عليهم دون أن يكون موجهاً أو مربياً لهم، ويكون فارق التفكير والاهتمامات بين الأب وابنه كبيراً، بينما في غير هذه الصورة في الزواج المبكر يكون على غير هذا النحو والنهج، ثم هذا كله يدلنا على ما كان من التيسير في الأمور دون التعقيد فيها.
فهذه جملة من المواقف التي تتعلق بسيرة عائشة رضي الله عنها، وما لم أذكره أكثر مما ذكرته، وأذكر هنا الكتب والأشرطة في حياة عائشة رضي الله عنها؛ لأن ما ذكرته قد قرأت فيه ترجمة لـ عائشة في (سير أعلام النبلاء) وهو من أجمع وأنفع ما ذكره أهل العلم، وكذلك ترجمتها في (البداية والنهاية) لـ ابن كثير رحمة الله عليه، وكذلك فصل في فضائل عائشة رضي الله عنها من كتاب (فضائل الصحابة) للإمام أحمد رحمة الله عليه، وكذلك كتاب خاص عن عائشة رضي الله عنها بعنوان: (عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين) ضمن سلسلة أعلام المسلمين، وهناك (السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين) وهناك (الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة) للزركشي، وهناك أيضاً فيما يتعلق بالزواج المبكر رسالة أو كتاب مختصر في مسألة الزواج المبكر والرد على من نفوه، وبيان فوائده وجوازه ومشروعيته للدكتور ملا خليل خاطب وغيرها أيضاً من الكتب، فإن ترجمة عائشة رضي الله عنها واسعة، وفيها كثير من الجوانب.