تلك هي الصورة الحقيقية التي يتمها الله عز وجل علينا في هذا الشهر الكريم، وتزيدنا الصلة أيضاً من الأبواب المختلفة، ومنها قيام الليل، ذلك الذي هو دأب الصالحين، والذي فيه مفاتيح من مفاتيح الخير في الدنيا والآخرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تنزل عليه الوحي في مبتدئه وفي أوائل أمره وفي مفتتح رسالته قال الله له: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5]، وكانت التهيئة قبلها: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:1 - 4]، فقيام الليل زاد لمواجهة الصعاب، وزاد لحمل الرسالة، وزاد لأداء الأمانة، وزاد للثبات على الطريق، وذلكم هو الزاد العظيم في حسن الصلة بالله عز وجل.
روى الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، مكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم، ومطردة الداء عن الجسد).
وعندما رأى ابن عمر رؤياه الشهيرة كان قول النبي صلى الله عليه وسلم تعليقاً عليها: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)، وكانت الرؤيا جولة في رياض الجنان ووقوف على شفير النار والعياذ بالله! فكان توجيه المصطفى صلى الله عليه وسلم أن من أراد الوصول إلى هذه والنجاة من تلك فذلك دأبه وتلك طريقه، وكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟! قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام) رواه الطبراني في معجمه والحاكم في مستدركه بسند صحيح.
وكلنا يعلم خصيصة هذه النافلة العظيمة في هذا الشهر الكريم؛ لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).