وهناك زاد آخر من حسن الصلة بالله، وهو: الصلة بكتابه جل وعلا، فهذا هو الشهر المختص بهذا القرآن نزولاً، والمختص به مدارسة، كما ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدارسه جبريل القرآن في رمضان، وكان يدارسه في كل ليلة من ليالي رمضان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).
قال ابن رجب تعليقاً على هذا الحديث: دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، واستحباب كثرة تلاوة القرآن في شهر رمضان.
وذكر الله عز وجل متصل بهذا، فنحن في هذا الشهر -بحمد الله- نكثر من ذكره، ونكثر من الدعاء والتضرع إليه، فلا نزال دائماً متقلبين ما بين تلاوة وذكر ودعاء، وهذه كلها من أبواب الصلة العظيمة بالله سبحانه وتعالى.
وكل هذا لو تأملنا إنما هو إصلاح لما فسد من أحوالنا من غفلة جاء بها الران على القلوب، ومن شهوة تعلقت وانصرفت إليها النفوس، ومن شبهة حارت وضلت فيها العقول، وأصبحت قلوبنا -إلا ما رحم الله- ليس فيها شيء يربطها بالله، ولا يصلها به، ولا يذكرها بأمره ونهيه، ولا يعظها بوعده ووعيده، وأصبحت أحوالنا كأنما نحن صورة من مسخ لا يتحقق فيه الإيمان الحي ولا الإسلام الحق ولا الصلة القوية ولا الرابطة الوطيدة التي تربط المخلوق بالخالق، والتي تربط المؤمن بمولاه، والتي تربط المسلم بربه وخالقه سبحانه وتعالى.
ولئن وجدنا هذه الصلة ولئن سعينا إلى تقويتها فلنعلم أن كلاً منا يصبح إنساناً آخر، يصبح ذلك الإنسان المؤمن الموقن الذي يواجه الخطوب والصعاب والذي يستطيع -بإذن الله عز وجل- أن ينتصر في كل معركة، بدءاً من معركة نفسه وهواها، وانتهاءً بمعارك الشيطان ووسواسه، وإلى ما بين ذلك من مزالق شياطين الإنس ودعاواهم الباطلة وزخرف قولهم.