وذلك أيضاً مشعر بأمر ثالث في شأن الحج، وإن كان في غير موسمه، لكن يأتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان كحجة معي)، فيعظم حينئذ إتيان الإنسان المسلم بالأركان والفرائض على شيء عظيم من التمام والكمال.
ثم هناك أمر آخر في هذه الصلة وهو الاستكثار من النوافل، وذلك فيه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
فبهذه النوافل الكثيرة مع الفرائض العظيمة تصبح ربانياً، وتصبح وأنت تدب على هذه الأرض لكنك معلق في السماء، وتنطق بلسانك لكن الحكمة تجري عليها، وتنظر بعينك لكنك تتدبر وتتأمل، ويصبح كل شيء فيك وبك ومعك مع الله وبالله ولله عز وجل، ولا ينقطع عن فكرك ولا عن قلبك ولا عن نفسك ولا عن لسانك ولا عن خاطر عقلك أمر الله عز وجل والصلة به.
وكن صاحب قلب معلق بالمساجد، ولسان رطب بالذكر، وقلب مملوء بالحب، ونفس متعلقة بالطاعة، فأي شيء هذا؟! إنها صورة عظيمة في حسن الصلة بالله؛ تجعل المؤمن في حياته غير لاهٍ ولا عابث ولا غافل، فضلاً عن أن يكون معانداً أو جاحداً أو معرضاً، نسأل الله عز وجل السلامة.