الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم ما يقدم به العبد على مولاه، ومن أعظم التقوى تعظيم أمر الدين والإيمان واليقين في القلوب والنفوس والسلوك والوقائع والحياة كلها، ولعلي أختم بنقطتين مهمتين: الأولى بعد الذي ذكرناه أيضاً: التحصين: فلا تتركوا الأبواب مفتوحة، ولا تتركوا النوافذ مشرعة، ولكن حصنوا إيمانكم، وحصنوا أخلاقكم، وحصنوا بيوتكم، وحصنوا أفكاركم قبل أن تُغزوا في كل ذلك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته).
وفي هذا المعنى جاء منهج متكامل في القرآن، ففي شأن العقيدة وقاية وحماية وتحصين؛ قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]، وقال سبحانه: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخر} [الإسراء:22].
وفي أمور التربية النفسية وقاية أيضاً وحماية وحصانة، قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].
وفي الأمور الخلقية قال عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151]، ولم يقل: لا تفعلوا الفواحش، بل قال: (لا تَقْرَبُوا) ومثل ذلك: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] أي: لا تأتوا دواعيه، ولا تقتربوا مما يوردكم فيه، وما يؤدي إليه.
وهكذا نجد ذلك أيضاً في الأخلاق الاجتماعية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] إلى آخر ما هو مذكور في ذلك.
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المحذرة المصدرة بقوله (إياكم)، كقوله: (إياكم والدخول على النساء!) وقوله: (إياكم والجلوس في الطرقات!)، وقوله: (إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث)، فكل تحذير هو تحصين من أمر قد يقع، فمن لم يأخذ بالحذر وقع في خطر.