ثم ننظر فنرى أموراً كثيرة، منها الأصل الأصيل المهم، وهو التمسك بالدين: إن الأمر الذي أنزله الله في كتابه، وبعث به رسوله، والدين والشرع الذي ارتضاه لنا لا لنجعله قولاً على الألسنة، ولا لنجعله مصاحف نزين بها الأبنية والأمكنة، إنما ليكون ديناً نطبقه في واقعنا، ونمارسه في حياتنا، ونحققه في علاقاتنا، ونقيم عليه كل شيء نعمله أو نتركه في حياتنا، قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:43 - 44].
وتأملوا اللفظ القرآني: (فَاسْتَمْسِكْ) ولم يقل: فأمسك، وكذا قوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:170] (يمسكون) أي: بقوة وبشدة وبحرص وبعناية وبصدق وبإخلاص، وبكامل التوجه في حياتهم، فليس صوراً ظاهرية، ولا مناظر شكلية، ولا مقالات لفظية، بل حقائق إيمانية، وممارسات عملية، ومبادئ ثابتة لا تنفصم عراها، ولا تنحل قواعدها المتينة، قال عز وجل: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256].
إنه لابد من المفارقة والمباينة، فلا نجمع مع الإيمان كفراًًً، ولا مع الإسلام غيره؛ لأن الإسلام هو الدين الكامل القيم المرتضى الحق الخالص، كما بينت آيات القرآن الكريم، فهل نحن كذلك في واقعنا؟ وهل هذا متجلٍ في حياتنا؟ وهل هو الذي يظهر فيما يعنى به في واقعنا؟