وعن ثابت بن الدحداح رضي الله عنه: أنه مر بفئة من الصحابة الأنصار من قومه، ورأى بعضهم وقد تردد وتذبذب وحار وتبلبل، فقال: يا معشر الأنصار! إن كان محمد قد مات فإن الله عز وجل حي لا يموت، قاتلوا على دينكم فإن الله مظهركم وناصركم.
هكذا كانوا يعرفون أن المسألة مسألة منهج ومبدأ، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوسهم عظيماً فدين الله عز وجل أعظم، وإن كان ارتباطهم بالرسول عليه الصلاة والسلام وثيقاً فارتباطهم بالله عز وجل أوثق؛ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما أخبر ثابت أيضاً في هذه المقالة: قاتلوا على دينكم فإن الله مظهركم وناصركم.
ثم مضى ثابت رضي الله عنه، ولم يكن هذا الكلام منهم كلاماً عابراً، بل مضى وقاتل حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه.
وهذه صورة ثالثة: مر مهاجري بأحد الأنصار وهو يتشحط في دمه وقد أصيب إصابة قاتلة، مر به وقال متسائلاً ومستغرباً: يا فلان! أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال هذا الذي يفارق الحياة ويستقبل الموت: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم.
صحابة يتواردون على معنىً واحد، مما يدلنا على أن تربيتهم وإيمانهم ومنهجهم كان واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، ولذا لم يتذبذبوا ولم يتراجعوا ولم ينخذلوا، وإنما كانت فترة من فترات الاضطراب والفوضى، ثم جاء نداء النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت القدوة المثلى لتجمع الصحابة رضوان الله عليهم، ولست بصدد ذكر الفداء والتضحية التي كانت من الصحب الكرام حول النبي صلى الله عليه وسلم، سبعة من الأنصار واحداً إثر آخر يقفون حول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، يفتدونه بصدورهم وظهورهم، يهلكون واحداً إثر واحد، وكان معه سبعة من الأنصار واثنان من المهاجرين فقضى الأنصار واحداً إثر الآخر حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنصفنا أصحابنا)؛ لأنهم تقدموا وكان الآخرون لم يكتب الله عز وجل لهم الشهادة في ذلك الوقت، كانوا ينضحون عنه النبل، ويتلقون عنه السيوف، ويذبون عنه الأعداء، وضحوا وثبتوا ثباتاً عجيباً في وقت كان الأصل أن يكون حالهم الفرار والهرب؛ فقد انفرط عقدهم ودارت الدائرة عليهم.