مثل أخير أقف عنده؛ لأنه مثل يبين لنا الصورة التي تعيقنا عن الانطلاق لرضوان الله عز وجل، والمضي لنصرة دين الله سبحانه وتعالى، والعمل لأجل نصرة هذا الدين في كل مكان.
هذا حنظلة بن أبي عامر، كان أبوه يسمى أبا عامر الراهب، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر الفاسق؛ لأنه كان من أشد أعداء الإسلام، أما ابنه حنظلة فقد كان صحابياً جليلاً من خيار الصحابة، كان عرسه في ليلة أحد، ودخل على زوجته وهو حديث عهد بعرس -في يوم الدخلة التي نسميها اليوم- وإذا به يسمع المنادي يقول: يا خيل الله اركبي! يسمع النداء إلى الجهاد، يسمع الانتقال من أحضان المرأة إلى الانتقال إلى أحضان الموت، يسمع الانتقال من العيش الرغيد إلى العيش الشظف الشاق، فإذا به لا يفكر ولا يتردد ولا يضعف ولا يركن إلى الأرض، ولا تلفته الزوجة الحسناء، ولا البيت المهيأ، ولا العطر والطيب بل يشتاق شوقاً عظيماً، ويتحرك حركة هائلة، وينخلع من بيته وزوجته، ويمتطي فرسه ويمضي مع المجاهدين إلى سبيل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38]، رسمها الصحابة صوراً حية.
ما متاع الآخرة في الدنيا إلا قليل! عرفوا ذلك فاشتاقت له نفوسهم.
ومضى حنظلة مقاتلاً ومجاهداً يشق الصفوف، كان يقصد أبا سفيان رضي الله عنه؛ لأنه كان قائداً لجيش المشركين في تلك المعركة حتى أوشك أن يصل إليه ويقتله، فإذا بـ شداد بن الأسود يأتيه من جنبه أو من خلفه فيضربه ضربة فيستشهد، فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شأن حنظلة أنه كان لم يغتسل من الجنابة بعد، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الملائكة تغسل صاحبكم ما بين السماء والأرض) وتطهره لينتقل إلى الجنان وإلى الحور العين التي وعد الله عز وجل بها الشهداء.