المثال الثالث -وهو قريب الصلة بالذي قبله- مجال التعليم، وهذا المجال تدخل فيه الدعوة، لكنه ربما يشمل غيرها من أمور التعليم كلها من غير ما تخصيص.
نحتاج إلى المرأة القدوة في مجال العلم والتعليم من الناحية الشرعية حتى تعلم بنات جنسها، وكذلك من ناحية الأمور الحياتية العامة، والعلوم النافعة التي تحتاجها النساء، فتكون باباً من أبواب التعليم والخير، وتكون أيضاً باباً يسد أبواب الاختلاط التي يريد أعداء الإسلام أن يدخلوا إلى مجتمعات المسلمين من خلالها.
فهذه عائشة رضي الله عنها أعظم مثل في هذا، وهي العالمة التي كان الصحابة يراجعونها ويستفتونها، وكانت ترد عليهم أقوالهم وتصوب آراءهم رضي الله عنها وأرضاها.
قال لها عروة بن الزبير -وهو ابن أختها وربيبها-: ما أعجب من علمك بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي أن هذا أمر مفروغ منه أنها تعلم القرآن والسنة بحكم حياتها مع النبي صلى الله عليه وسلم- ولكني أعجب من علمك بالطب -لقد كانت رضي الله عنها خبيرة بهذا المجال- كيف لك به؟! قالت: يا عرية -تصغير عروة -! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمرض، وإن الوفود كانت تفد عليه وتنعت له النعوت -تعني: تصف له الأدوية من الأعشاب- فأحفظ ذلك مما كان يقال ويوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الشفاء بنت عبد الله العدوية كانت من عقلاء النساء، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يزورها ويقيل عندها، وكانت تعرف القراءة والكتابة، فطلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعلم أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، وكانت امرأة راقية -أي: ترقي بالقرآن- فعرضت رقاها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينظر فيها ويصوبها أو ينبهها إلى ما قد يكون من خطأ إن كان فيها، فأجازها وقال لها: (علميها حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها) ومجالات التعليم في شأن النساء ومايحتجن إليه من تطبيب أو تعليم في هذه الشئون من الأمور المهمة التي نحتاج فيها إلى المرأة القدوة في هذا المجال.