المجال الرابع: مجال الجهاد، وأنا أذكر هذه الأمثلة التي ربما ينظر إليها على أنها بعيدة حتى نقطع دابر المقالة التي توهم كثيراً من النساء بأن هناك مجالات مخصوصة للرجال، وهناك مجالات مخصوصة للنساء، أما على وجه العموم فالمرأة المسلمة شاركت وقدمت أمثلة، ولها في هذه المجالات دور بحسب ما يحتاج إليه فيها، وبحسب ما تستطيعه بضوابط الشرع.
هذا المجال العظيم الذي اشتهر فيه الرجال برزت فيه قدوات عظيمة من نساء المسلمين، من أبرز هذه الأمثلة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها، قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات - وليس الأمر عارضاً أو عابراً، بل متكرراً في شئون مختلفة- قالت: فكنت أخلفهم في الرحال وأصنع لهم الطعام، وأقوم على المرضى وأداوي الجرحى.
تقوم بخدمات متكاملة في هذا المجال، قال ابن إسحاق: وكانت ممن بايع بيعة العقبة، وممن كانت تشهد الحرب.
وروى عمر رضي الله عنه من خبر يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا رأيت نسيبة تقاتل عني).
فقد كانت من النفر القليل الذين أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تغير ميزان المعركة لصالح الكافرين، قال: (ما نظرت يميناً ولا شمالاً إلا رأيتها تقاتل دوني) وكان معها ابنها فأصيب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقال: (اعصب جرحك)، فالتفتت إليه أمه فعصبت جرحه وقالت له: قاتل أعداء الله في سبيل الله.
ما قالت له: هذا يكفي وارجع إلى الخلف، ولا بد من أن تعالج، ولا بد من أن تذهب إلى المستشفى والعناية المركزة وغير ذلك من الأمور، بل قالت: (قاتل أعداء الله في سبيل الله.
ثم نظرت إلى من أصاب ابنها وكانت ترقبه بين الفينة والأخرى حتى سنحت لها فرصة فشنت عليه الغارة فضربته ضربة بسيفها فبترت ساقه فوقع من على فرسه فضربته بسيفها فقتلته، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى نسيبة رضي الله عنها وقال لها: (قد استقدت يا أم عمارة -يعني: أخذت بالقود والثأر- الحمد الله الذي أظفرك، وأقر عينك من عدوك، وأراك ثأرك بعينك) فهذا مثل عظيم للمرأة المسلمة المجاهدة، ثم أقبل ابن قمئة يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتله، فتصدت له نسيبة أم عمارة رضي الله عنها، ثم لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بلاءها قال: (بارك الله عليكم أهل بيت مؤمنين -فما شغلها القتال عن انتهاز الفرصة- فقالت: يا رسول الله! ادع الله لنا.
فقال: اللهم! اجعلهم رفقائي في الجنة.
قالت: أم عمارة فما أبالي بعد ذلك بما أصابني) تعني: بعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم انظر إلى هذه المرأة ما الذي شغل بالها وما الذي لفت نظرها في ظرف عصيب وكرب شديد.
والأمثلة في الحقيقة في هذا الجانب كثيرة، ولسنا بصدد الحصر وإنما يكفينا التمثيل.