الجزية: فعلة من الاجتزاء، قال بعض العلماء: إنها تجزئ صاحبها عن الدخول في الإسلام، وعن تسليم جميع ماله، وتعصم دمه.
وهي تؤخذ ممن أبى الدخول في الإسلام، قيل: من عموم غير المسلمين، وقيل: تؤخذ من أهل الكتاب فقط، فلا تؤخذ جزية من وثني مشرك، وإنما تؤخذ من أهل الكتاب ومن ألحق بهم، وهم المجوس، لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه أخذها من مجوس هجر)، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب)، وهذه السنة فيما يتعلق بقبول الجزية منهم، وعصمة أموالهم ودمائهم، بخلاف ذبائحهم، وحل نسائهم، فإن فيهم وجهاً من الشرك وفيهم وجهاً من أهل الكتاب، فمن وجه أهل الكتاب قبلت الجزية، ومن وجه الشرك لا تحل نساؤهم، فلا تحل حرائرهم بعقد كما تحل اليهودية والنصرانية، ولا تحل إمائهم بملك يمين كما تحل النصرانية واليهودية.
وفي مسألتي الذبائح والنساء خلاف، أما الحرائر فبإجماع المسلمين أنه لا يجوز لمسلم أن يعقد عقد نكاح على مجوسية.
وهل يجوز له أن يستمتع بإمائهم بملك اليمين كالكتابيات؟ قال الجمهور: لا، وشذ بعض العلماء من غير الأئمة الأربعة وقال: يجوز.
الجزية مقابلة لفرض الزكاة، فالمسلم يدفع زكاة ماله، وغير المسلم يدفع الجزية، إلا أن الزكاة على الأموال، والجزية على الرقاب، أي: على الأشخاص.
ولو قارنا بين الزكاة وبين الجزية لوجدناهما وفق الحكمة والرحمة، فأهل الجزية يخفف عنهم، كما جاء في حديث معاذ أنه أخذ على الحالم ديناراً، وكانت الجزية تقدر على الأثرياء: ثمانية وأربعون درهماً، وعلى الوسطاء: أربعة وعشرون درهماً، وعلى العمال الذين لا مال لهم وإنما يتكسبون بأبدانهم كالأجراء أو الفلاحين أو الصناع اثنا عشر درهماً.
والزكاة في الإسلام ربع العشر، وتكثر الزكاة مع وفرة المال وتنزل مع قلته، فقد يدفع المسلم من زكاة ماله ما يعادل جزية عشرين أو ثلاثين أو خمسين واحداً من أهل الذمة.
لكن الجزية على من تؤخذ؟ العلماء يتفقون على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب، أما الوثنيون فلا تقبل منهم إما الإسلام وإما القتل، وبعضهم يلحقهم بأهل الكتاب، ولكن الجمهور على عدم أخذها منهم.